القيروان: انطلاق انجاز السوق المركزي سيدي عرفة بكلفة تناهز 11 مليون دينار    المعطيات التي تتعلق بإغلاق المؤسسات الصناعية رسميا في تونس تظل بيانات خاصة بالجهات المختصة - وكالة النهوض بالصناعة والتجديد -    تونس في قمة المناخ بنيويورك تدعو الدول المانحة إلى الإيفاء بتعهداتها المالية و تيسير النفاذ إلى التمويل المناخي    المدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس تحصلت على موافقة شبه مؤكدة للقيام بمعالجة المياه استعدادا للألعاب الأولمبية بأستراليا سنة 2032 (مدير المدرسة)    كميات البذور الممتازة المتوفرة تتجاوز 500 ألف قنطار في ظل توزيع قرابة 160 ألف قنطار الى حد الآن - مسؤول بوزارة الفلاحة -    زلزال بقوة 6.4 درجة يضرب فنزويلا    فرنسا تحذر إيران: أمامكم بضع ساعات للتوصل إلى اتفاق وتجنب العقوبات    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ تلميذ يعتدي على زميله بآلة حادّة في سيدي حسين..    نابل: دار الثقافة محمود المسعدي تازركة تحتضن تظاهرة "عالمنا فن" تحت شعار "إبداع يجمعنا، عنف يفرقنا" يومي 26 و27 سبتمبر الجاري    رئيس الجمهورية: مشروع قانون المالية يجب أن يعكس الدّور الاجتماعي للدّولة    سفن أسطول الصمود تبحر في اتجاه المياه الإقليمية اليونانية    وزيرة الثقافة تدعو الى إطلاق حملة تنظيف واسعة للمناطق الأثرية تنطلق من تونس الكبرى    سيدي بوزيد: تقدم أشغال المحطة الشمسية بنسبة 83%.. خطوة نحو طاقة نظيفة    فاتحة البقاء    يوم الجمعة بالمسرح البلدي بصفاقس...عرض «فيروزياد» تكريما لفيروز وزياد الرحباني    ولدت في تونس وتوفيت في فرنسا...رحيل أيقونة السينما الإيطالية كلاوديا كاردينال    عودة الغائب    هذه أولويات خطة التنمية 2026–2030: التفاصيل    "اجتماع نيويورك".. ترامب يكشف عن خطته لإنهاء حرب غزة    الزهروني: تفكيك عصابة مسلحة بالسكاكين تورطت في السلب والاعتداء على المواطنين    التدخين في تونس: أزمة صحية تبحث عن حلول    طقس الليلة.. سحب محليا كثيفة مع امطار رعدية بهذه المناطق    الرابطة الأولى.. نتائج الدفعة الثالثة من مواجهات الجولة ال7 للبطولة    السيارات الشعبية في تونس: من 28 حتى ال35مليون والسوق الموازي على الخط!    عاجل: مداهمات جديدة تكشف عن ذبح عشوائي: حجز لحوم غير صالحة للاستهلاك في 3 ولايات!    عاجل/ إضراب عام قطاعي بكامل المدارس الابتدائية    عاجل/ إعصار عنيف يضرب دولتان مخلّفا قتلى    إصابة 22 إسرائيليا في إيلات بانفجار مسيرة أطلقت من اليمن    عاجل: تصفيات كأس العالم 2026 – هذا هو موعد مباراتي تونس ضد ساو تومي وناميبيا!    عاجل/ حادثة ذبح خرفان مريضة بمسلخ بلدي: الاحتفاظ بهؤلاء..    عاجل/ متابعة: طائرة عسكرية مجهولة المصدر تحلق فوق سفن أسطول الصمود..    عاجل/ هذه الدولة تهدد بالرد على أي اعتداء إسرائيلي يستهدف "سفن أسطول الصمود"..    بورصة: نتيجة السداسي الأوّل من 2025 ل62 مؤسّسة مدرجة تزيد ب9،3 بالمائة    عاجل/ خلايا رعدية وأمطار غزيرة بعد الظهر بهذه الولايات..    تيك توك يكشف سر قاعدة الأصدقاء السبعة: كيف تبني صداقات متوازنة؟    سيدي حسين: إيقاف التلميذ الذي طعن زميله    لقاح mRNA الروسي للسرطان: هل هو بداية النهاية لهذا المرض؟ اكتشف التفاصيل!    قد يسبب الخرف والسكتات الدماغية: احذروا "الميلك شيك"..    توزر: موسم التمور يبشر بإنتاج يفوق 60 ألف طن وجودة عالية    "حتى التراث من حقّي": تظاهرة ثقافية بمركز تقديم تاريخ ومعالم مدينة تونس    "فيفا" يناقش زيادة عدد منتخبات مونديال 2030 "التاريخي"!    سيدي حسين: أب يحتجز ابنته لسنة كاملة والنيابة تأذن بإيقافه    إصدار شروط تطبيق الفصل 30 رابعا من مجلة الشغل وصيغه وإجراءاته بالرائد الرسمي    عاجل: الأولمبي الباجي يواجه الترجي بدون المنتدبين الجدد وهذا هو السبب !    للأمهات : 5 أطعمة رد بالك تحطهم لصغارك في اللانش بوكس    منها التعرق وعسر الهضم : علامات تنذر بإصابتك بنوبة قلبية رد بالك تتجاهلها    الدورة الثانية للصالون المهني للصناعات التقليدية من 6 الى 12 اكتوبر المقبل بقصر المعرض بالكرم    كأس الرابطة الانقليزية : إيساك يسجل هدفه الأول مع ليفربول وطرد إيكيتيكي في الفوز على ساوثامبتون    مبابي وفينيسيوس يتألقان في فوز ريال مدريد 4-1 على ليفانتي    برشا تشويق في الرابطة: 4 ماتشوات في نفس الوقت وهذه أبرز المواجهات    محرز الغنوشي: ''البشائر متواصلة اليوم والأمطار حاضرة بتفاوت في الكميات في هذه المناطق''    البطولة الإسبانية : تعادل إسبانيول مع فالنسيا 2-2 وأتلتيك بلباو مع جيرونا 1-1    عاجل: الموت يغيّب كلوديا كاردينال عن عمر ناهز 87 عاماً    الموت يغيّب الممثلة كلاوديا كاردينالي    عاجل : هذا هو موعد شهر رمضان 2026 فلكيا    يا توانسة.. هلّ هلال ربيع الثاني 1447، شوفوا معانا دعاء الخير والبركة الى تدعيوا بيه    السينما التونسية تتألّق في مهرجان بغداد السينمائي... التتويج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهمس الصاخب: طه حسين وقصيدة ضائعة لحافظ إبراهيم
نشر في الشروق يوم 27 - 06 - 2010

عُدْتُ الآنَ إلى الكنش الذي كنت أكتب فيه مذكراتي أثناء دراستي بجامعة القاهرة في الخمسينيات من القرن العشرين، فعثرت على هذه الفقرة من مذكرة تحمل تاريخ 14/12/1955 التي تتعلق بإحدى محاضرات عميد الأدب الدكتور طه حسين، وقد سجلْتُ فيها قوله عن شاعر النيل حافظ إبراهيم: (كان حُرًّا يقول الشعر في ما اتفق له أن يقول، سوى أن الوظيف حَدَّ من حريته بعض الشيء فظل يكتب الشعر الحر، ولكن لا ينشره ويكتفي بعرضه على الخُلَّص من أصدقائه، وصادف أن عرض علي قصيدا من أروع ما كتب حافظ ، وللأسف الشديد فإن هذه القصيدة الرائعة قد ضاعت في جملة ما ضاع من أدب حافظ ولست أحفظ منها إلا الطالع وهو:
قد مر عام يا سعاد وعامُ وابن الكِنانة في حماه يُضامُ
وطلب آنئذ رأيي، فقلت له: إنها رائعة بشرط أن تنشرها فقال: إني لا أريد أن أُحال على المعاش.)
هذا الكلام لعميد الأدب يدل على أن تلك القصيدة لم تنشر، وقد عدت إلى الجزء الثاني من ديوان حافظ إبراهيم، الذي نشر سنة 1358ه 1939- ولم أعرف تاريخ طبعته الأولى - فعثرت فيه على أحد عشر بيتا في صفحة 105 مقدمة بهذه الكلمات: (من قصيدة في شؤون مصر السياسية قالها في عهد وزارة إسماعيل صدقي وقد نظمها حافظ بعد إحالته على المعاش في سنة 1932م. وكانت تبلغ نحو مائتي بيت لم نعثر منها إلا على هذه الأبيات.)
وبما أن عميد الأدب قد ذكر في تلك المحاضرة أن حافظا تجنب نشرها خوفا من إحالته على المعاش، واعتبرها مما ضاع من شعره، فإني سأثبت هنا تلك الأبيات لأنها تتحدث عن الانقليز الذين كانوا يستعمرون مصر، وعن بعض العملاء من الوزراء الذين كانوا في أيدي المستعمرين، مثل شخوصِ مسرحيات الدمى المتحركة (الماريونات) يأتمرون بأمرهم ويَكُونون مع المغتصبين ضد أبناء الوطن، لذلك كان حافظ إبراهيم يخاف على نفسه منهم، وهذا ما كان سببا في ضياعها باستثناء تلك الأبيات، وليته نشرها ولو أدى ذلك إلى التضحية بوظيفته في سبيل بقائها، خاصة وأنه قيل فيه إنها كانت سببا في إحالته على المعاش، وأنه لم يعش إلا سنة واحدة بعد التاريخ الذي ذكر في الديوان، بينما يقول طه حسين إن حافظا لم ينشرها خوفا من إحالته على المعاش، ولكن كيف وقعت إحالته على المعاش - حسبما ذكر في الديوان - من أجل قصيدة لم تنشر؟ والحال أن عدم نشرها كان سببا في ضياعها؟
هذا أمر نترك التثبت فيه لمن يعثر على وثائق وأدلة تلقي على هذا الموضوع مزيدا من الضوء، ونكتفي هنا بتقديم تلك الأبيات الباقية منها والمنشورة في ديوانه:
تلك هي الأبيات التي بقيت من القصيدة التي نالت إعجاب طه حسين والتي ظن أنها ضاعت في جملة ما ضاع من شعره.
وقد شُرح قوله في البيت الثالث منها:(وما جنى علاّم) بأنه يريد محمد علام باشا وزير الزراعة إذّاك ووكيل حزب الشعب، الذي كان وزيرا للزراعة، وإلى ما كانوا يَجْبونه من الأموال إعانةً لحزب الشعب، وأما قوله: (المُحايِد) فقد أشار به إلى أن الانقليز، في هذه الفترة التي قيلت فيها هذه الأبيات، كانوا يدّعون الحياد في الشؤون المصرية. وهذا زعْمٌ كشفَه حافظ إبراهيم في هذه الأبيات، لأنهم في الواقع كانوا يميلون إلى هذا الحزب المتواطئ معهم.
ونُضيف إلى هذا الشرح أن كلمة (الكنانة) من الألقاب الشائعة التي تُطلق على مصر: كنانة الله في أرضه، والكنانة في اللغة هي الوعاء الذي يحمله المحارب فوق ظهره ويضع فيه السهام الجاهزة للرمي، وقد جاء هذا اللفظ في قول الشاعر بمعنى العيون المصوبة نحو قلوب العاشقين، وهو معنًى مجازيٍّ يقصد منه: حبيبٌ عيونه مثل عيون الرشأ أي الغزال:
صاحَ في العاشقين: يالكنانهْ رشأٌ في الجفون منه كِنانهْ
وأما (قصر الدوبارة) فهو قصر الحكم في ذلك الوقت البعيد. وأما قوله:
ودعا عليك اللهَ في مِحراب الشيخ والقسِّيسُ والحاخامُ:
لاهُمَّ أحْيِ ضميره ليذوقَها غُصَصًا، وتَنْسِفَ نفسَه الآلامُ
فمعناه: أن الشيخ، وهو الإمام لدى المسلمين، والقسيس، وهو الراهب لدى المسيحيين، والحاخام، وهو الحَبْرُ لدى اليهود، قد دعوا جميعا الله تعالى قائلين: لاهُمَّ أي اللهم أيقظ ضمير صدقي باشا ليذوق الغصص ولكي تَنْسِف الآلامُ نفسَه، لأنه عند ذلك سيحس بما جنَى على شعبه الذي كان يذوق ويلات الاستعمار، بمساعدة عملائه الذين يخاف حافظ إبراهيم منهم الإحالة على التقاعد إذا هو أقدم على نشر قصيدته التي هجاهم فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.