رئيس الجمهورية: مشروع قانون المالية يجب أن يعكس الدّور الاجتماعي للدّولة    سفن أسطول الصمود تبحر في اتجاه المياه الإقليمية اليونانية    دونالد ترامب يقدّم خطة سلام مكونة من 21 نقطة لإنهاء الحرب في غزة    وزيرة الثقافة تدعو الى إطلاق حملة تنظيف واسعة للمناطق الأثرية تنطلق من تونس الكبرى    سيدي بوزيد: تقدم أشغال المحطة الشمسية بنسبة 83%.. خطوة نحو طاقة نظيفة    فاتحة البقاء    يوم الجمعة بالمسرح البلدي بصفاقس...عرض «فيروزياد» تكريما لفيروز وزياد الرحباني    ولدت في تونس وتوفيت في فرنسا...رحيل أيقونة السينما الإيطالية كلاوديا كاردينال    عودة الغائب    عاجل/ إعلام عبري: ترامب يعتزم إعلان إنهاء الحرب في غزّة هذه الليلة    رئيسة الحكومة: "الدولة تعمل على تحقيق التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية في مختلف الجهات"    الزهروني: إيقاف المجرم الخطير "بطة" محل 5 مناشير تفتيش    الزهروني: تفكيك عصابة مسلحة بالسكاكين تورطت في السلب والاعتداء على المواطنين    التدخين في تونس: أزمة صحية تبحث عن حلول    طقس الليلة.. سحب محليا كثيفة مع امطار رعدية بهذه المناطق    عاجل/ إضراب عام قطاعي بكامل المدارس الابتدائية    السيارات الشعبية في تونس: من 28 حتى ال35مليون والسوق الموازي على الخط!    عاجل/ إعصار عنيف يضرب دولتان مخلّفا قتلى    إصابة 22 إسرائيليا في إيلات بانفجار مسيرة أطلقت من اليمن    الرابطة الأولى.. نتائج الدفعة الثالثة من مواجهات الجولة ال7 للبطولة    عاجل: مداهمات جديدة تكشف عن ذبح عشوائي: حجز لحوم غير صالحة للاستهلاك في 3 ولايات!    عاجل : دخول طوافتي إغاثة جديدتين حيز الخدمة لتعزيز عمليات البحث والإنقاذ البحري بتونس    تحويلات التونسيين بالخارج: تقديرات بتسجيل أرقام هامّة.. #خبر_عاجل    أغلب شباب تونس بلا حسابات بنكية ... شنوّا السر؟    عاجل/ خلايا رعدية وأمطار غزيرة بعد الظهر بهذه الولايات..    سيدي حسين: إيقاف التلميذ الذي طعن زميله    عاجل/ تقلبات جوية وامكانية تشكل سيول بهذه الولايات..دعوة للحذر..    عاجل/ العاصمة: تلميذ يقطع شرايين يد زميله.. وهذا ما تقرّر في شأنه    عاجل/ متابعة: طائرة عسكرية مجهولة المصدر تحلق فوق سفن أسطول الصمود..    اسبانيا تهدد بالرد على أي هجوم إسرائيلي يستهدف أسطول الصمود    الجزائر: القضاء على 6 إرهابيين    بورصة: نتيجة السداسي الأوّل من 2025 ل62 مؤسّسة مدرجة تزيد ب9،3 بالمائة    عاجل: تصفيات كأس العالم 2026 – هذا هو موعد مباراتي تونس ضد ساو تومي وناميبيا!    تيك توك يكشف سر قاعدة الأصدقاء السبعة: كيف تبني صداقات متوازنة؟    عاجل/ حادثة ذبح خرفان مريضة بمسلخ بلدي: الاحتفاظ بهؤلاء..    لقاح mRNA الروسي للسرطان: هل هو بداية النهاية لهذا المرض؟ اكتشف التفاصيل!    قد يسبب الخرف والسكتات الدماغية: احذروا "الميلك شيك"..    الحماية المدنيّة تتوجه بجملة من التوصيات على ضوء الوضع الجوي المتوقع    سيدي حسين: أب يحتجز ابنته لسنة كاملة والنيابة تأذن بإيقافه    "فيفا" يناقش زيادة عدد منتخبات مونديال 2030 "التاريخي"!    أبرز الآجال والامتيازات الجاري العمل بها في مجالات الجباية والديوانة والأداءات البلدية    توزر: موسم التمور يبشر بإنتاج يفوق 60 ألف طن وجودة عالية    "حتى التراث من حقّي": تظاهرة ثقافية بمركز تقديم تاريخ ومعالم مدينة تونس    الدورة الثانية للصالون المهني للصناعات التقليدية من 6 الى 12 اكتوبر المقبل بقصر المعرض بالكرم    إصدار شروط تطبيق الفصل 30 رابعا من مجلة الشغل وصيغه وإجراءاته بالرائد الرسمي    عاجل: الأولمبي الباجي يواجه الترجي بدون المنتدبين الجدد وهذا هو السبب !    للأمهات : 5 أطعمة رد بالك تحطهم لصغارك في اللانش بوكس    منها التعرق وعسر الهضم : علامات تنذر بإصابتك بنوبة قلبية رد بالك تتجاهلها    كأس الرابطة الانقليزية : إيساك يسجل هدفه الأول مع ليفربول وطرد إيكيتيكي في الفوز على ساوثامبتون    مبابي وفينيسيوس يتألقان في فوز ريال مدريد 4-1 على ليفانتي    برشا تشويق في الرابطة: 4 ماتشوات في نفس الوقت وهذه أبرز المواجهات    البطولة الإسبانية : تعادل إسبانيول مع فالنسيا 2-2 وأتلتيك بلباو مع جيرونا 1-1    عاجل: الموت يغيّب كلوديا كاردينال عن عمر ناهز 87 عاماً    الموت يغيّب الممثلة كلاوديا كاردينالي    مسرح الأوبرا يعلن عن فتح باب التسجيل في ورشات الفنون للموسم الثقافي الجديد    عاجل : هذا هو موعد شهر رمضان 2026 فلكيا    يا توانسة.. هلّ هلال ربيع الثاني 1447، شوفوا معانا دعاء الخير والبركة الى تدعيوا بيه    السينما التونسية تتألّق في مهرجان بغداد السينمائي... التتويج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهمس الصاخب: طه حسين يترجم صفحة من البؤساء لم يترجمها حافظ
نشر في الشروق يوم 13 - 11 - 2010

ذكرنا في حديث سابق أن شاعر النيل حافظ إبراهيم قام بتعريب رواية البؤساء للكاتب الفرنسي الكبير فيكتور هيجو ونشرها في جزأين يقع أولهما في 167 صفحة وثانيهما في 160 صفحة، ومجموع صفحاتهما 327 من الحجم المتوسط، وذكرنا كذلك أن طه حسين أشار إلى أن هذه الترجمة غير شاملة للنص الأصلي، وقد اعترف حافظ في الإهداء الذي توجه به إلى الشيخ الإمام محمد عبده بأن ترجمته ليست كاملة وذلك في قوله: (..واللهُ المسؤول أن يحفظه للدنيا والدين، وأن يساعدني على إتمام تعريبه للقارئين). وقد نبّه طه حسين إلى هذا النقص في كتابه «حافظ وشوقي» ص ص 82/88، في فصل بعنوان (البؤساء) فقال: (إن ترجمته ليست كاملة، فهو يلخص ولا يترجم، ولست أريد أن أطيل في ذلك وإنما أُلفته إلى أنه قد أهمل الصفحة الأولى من الكتاب إهمالا تاما فلم يشر إليها بحرف وهذا نصها)، فلنتأمل هذه الترجمة التي قام بها طه حسين لهذه الفقرة التي أهملها حافظ إبراهيم:
(لعل القارئ قد أحس أن «مسيو مدلين» لم يكن إلا «جان فلجان» لقد نظرنا في أعماق هذا الضمير، وقد آن أن نعيد النظر فيه، ولن نفعل ذلك دون أن ينالنا الانفعال، ويملكَنا الاضطراب، فليس شيء أبعثَ للقلق في النفوس من هذا النوع من المشاهدة، ولن تستطيع عينُ العقل أن تَجد في أي مكان ضوءً أخطفَ للبصر، أو ظلمةً أشدَّ مما تجد في الإنسان! لن تستطيع هذه العين أن تَثْبُتَ على شيء أدعَى إلى الخوف وأشدَّ تعقيدا، وأكثرَ غموضا، وأبعَدَ مَدًى في الوجود أعظمَ من منظر البحر، ومنظرِ السماء، هناك منظرٌ أعظمُ من السماء: هو دخيلة النفس !
وليست محاولة إنشاء هذه القصيدة، قصيدة الضمير الإنساني ولو بالقياس إلى رجل واحد ولو بالقياس إلى أشد الناس ضَعَةً. إلا محاولةَ صوغ القصائد القصصية كلها في قصيدة واحدة أعلَى مكانة في الشعر وأدنى إلى الكمال، إنما الضمير هو النار المتأججة تُسبَكُ فيها الأحلام، وهو الكهف تختبئ فيه الخواطر الدنيئة المخجلة، وهو العاصفة الجهنمية تأْوي إليها كل شياطين المغالطة، وهو ميدان الجهاد بين الشهوات.
تَخَطَّ، في بعض الأحيان، هذا الوجه الممتقع، وجْهَ الرجل المفكر، وانظرْ وراءه، انظر في هذه النفس، انظر في هذه الظلمة، إن تحت هذا الصمت الظاهر لحربًا ضروسا قد اشتبكت فيها المَرَدَةُ كما في «هوميروس», ومعاركَ قد التحمتْ فيها التنانينُ والحيّاتُ، وسحابا من الأشباح كما في «ملتون» ودخانا يصعد ملتوِيا كما في «دنتي». شيء مظلمٌ هذا الضمير الذي لا حَدَّ له، والذي يحمله كل إنسان في نفسه ويقيس به، يائسًا، إرادةَ عقله، وما في حياته من عمل!
لقد صادف «الجيري» في يوم من الأيام بابًا مخيفا تردد قبل أن يَلِجَهُ، فانظر أمامك فهذا باب مخيف أيضا، نتردد أمامه. ومع ذلك فلْندخلْ!)
هذه هي ترجمة تلك المقدمة قام بها طه حسين في كتابه (حافظ وشوقي) ص86-87 لأنه لم يجدها في ترجمة حافظ إبراهيم، وكم نود أن يقوم بعض من يجيد الفرنسية أن يقوم بمقارنة ترجمة هذه الفقرة بالأصل لنرى مدى مطابقتها للأصل، وقد قدم طه حسين لتلك الترجمة بقوله: (بحثت عن هذا الكلام في الترجمة فلم أجده، وما أحسب أنه سقط في المطبعة سهوا أو خطأً).
وبعد ذلك عرض طه حسين ترجمة لفقرة قام بها حافظ إبراهيم وهي:(قدمنا بين يدي القارئ ما كان من أمر «جان فلجان»منذ ابتزَّ ذلك الغلام قطعته الفضية، وقد بأى كيف حال هذا الرجل إلى رجل آخر. وكيف فعلتْ في نفسه كلماتُ العابد أفاعيلها فاختطفتْه إلى المعبود، وأخرجتْه من مسلاخ الشِّرَّةِ والضغينة وأسكنته في إهاب من الفضيلة).
وقد رأى طه حسين أن هذه الترجمة غير دقيقة فأعاد ترجمتها هكذا: (ليس لدينا إلا شيء قليل نضيفه إلى ما عرف القارئ من أمر «جان فلجان» منذ كان بينه وبين «بيتي جيرفيه» ما كان، فقد رأيتُ أنه أصبح رجلا آخر منذ ذلك الوقت، فأنفذ ما أراد الأسقف أن يصنع به، صنع بنفسه شيئا أكثر من التحويل، خلَقَها خلْقا جديدا) انظر كتاب «حافظ وشوقي» لطه حسين ص 88.
ولكي يتصوّر القراء الذين لا يعرفون حجم هذه الرواية في الأصل الفرنسي أقدّم لهم فكرة عن حجمها الأصلي من خلال ترجمتها التي قام بها «أنطون رزق الله» وأشرف عليها «نظير عبود» ونشر طبعتها الأولى سنة 1995 في الدار التي تحمل اسمه في خمسة مجلدات مجموع صفحاتها 2077 موزعة على النحو التالي:
المجلد الأول: ويشتمل على 7 فصول ومن صفحة1 إلى 412 صفحة.
المجلد الثاني: يشتمل على 10 فصول من صفحة 421 إلى 830.
المجلد الثالث: ويشتمل على 10 فصول من صفحة 388 إلى 1244.
المجلد الرابع: ويشتمل على 12 فصلا من صفحة 1253 إلى 1658.
المجلد الخامس يشتمل على 9 فصول من صفحة 1671 إلى 2077.
وهكذا نرى أن قصة البؤساء تقع في أكثر من ألفي صفحة بينما تقع ترجمة حافظ إبراهيم في 327 أي في أقل من صفحات الجزء الأول من الترجمة المذكورة.
ومهما كان اختصار حافظ للبؤساء فإن صياغتها البليغة تشفع لها وتجعلها تحفة أدبية وخلقا أو إبداعا جديدا يتلاءم مع القارئ العربي الذي لا يستطيع أن يفهم المنعرجات التي تاه فيها فيكتور هيجو فوق وتحت أرض باريس, (وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.