الشروق (تونس) مدينة القالة (ولاية الطارف الجزائريّة): عديد القراء خاطبُوني بعد الحلقة الأولى من سلسلة «عائد من الجزائر» التي نُشرت أمس وملخّص كلامهم: «لقد نطق المقال بما فينا من مثل تلك المشاعر والأحاسيس الأخوية والوطيدة والمتوحّدة بين التونسيينوالجزائريين»،وغاية هذه المقالات هي مزيد تعزيز مثل تلك العلاقات التي تمثّل آفاقا مفتوحة على تطلعات وارتسامات مستقبلية لا حدّ لها في ظلّ توافق سياسي وأخوي كبير بين قيادتي البلدين الشقيقين والعزم والارادة لمزيد الفعل الاندماجي والتعاوني والتضامني بما يخدم الشعبين. وممّا يدعم كذلك هذا النوع من التقارب والتجانس بين الشعبين أنّ التسميات التاريخية نفسها للمدن تدعم هذا الترابط العميق بين تونسوالجزائر، اذ من الطريف أنّ مدينة القالة التي احتضنت أشغال الجامعة الصيفية الأولى للصحافيين الجزائريين كانت تسمى قديما «تونوزا» (tonoza) وهذه التسمية وهي منطقيا نفس المصدر الذي اشتقت منه بعد التداول والتعاقب الزمني لفظة «تونس» بمعنى أنّ هذه الحدود لم تكن موجودة أصلا وانّ الفضاء كان مفتوحا في تلك المناطق، قبل أن تسمى «تونوزا» لاحقا «مرسى الخرز»وقد تمّ تحويرها الى قالة «المركريز» ثم اختصرت في ما بعد الى «القالة» وهي شطران قالة القديمة وقالة الجديدة. الاعلام والبيئة والفضاء الطبيعي اختارت الجامعة الصيفية الأولى للصحافيين الجزائريين والتي كما قلنا حضرها عدد من الاعلاميين التونسيين والليبيين موضوع: «الاعلام والبيئة» وهو الموضوع الذي سنعود اليه في حلقة يوم الغد والتي ستكون تحت عنوان: «الاعلام والبيئة والتنمية»، وكان الفضاء الذي جرت فيه أشغال الجامعة وعلى مدار ثلاثة أيام ملائما للغوص والخوض في قضايا البيئة وهي قضايا تنال اليوم اهتمامات واسعة في العالم بحكم التغيّرات المناخية المتتالية والمتسارعة. اختار منظمو الجامعة الصيفية الأولى للصحافيين الجزائريين محيط «المناطق الرطبة للقالة ومحميتها الوطنية» والتي تكتنز تنوّعا بيولوجيا نادرا،اذ تمتدّ محمية (أو كما يقول الاخوة الجزائريون الحظيرة) القالة على مساحة 80 ألف هكتار وتتكوّن من فسيفساء من الأنظمة البيئية (نظام بحري، كثباني، بحيري، غابي)، وتضم ثروة حيوانية ونباتية متنوّعة ونادرة وهو ما جعلها، أي المحمية، تصنّفُ سنة 1990 من قبل «اليونسكو»ضمن التراث الطبيعي والثقافي العالمي وحفظ المحيط الحيوي. بحيرات نادرة وتمسحُ البحيرات ما يزيد عن 10% من مجموع المحمية وعددها هو 7 بحيرات أهمّها بحيرة طونقة على مساحة 2600 هكتار وبحيرة أوبيرة التي تمسح 2200 هكتار وتتردّد على هذه المنطقة عشرات الآلاف من الطيور المهاجرة سنويّا وعبر مختلف الفصول كما يُعتبر الفضاء مكانا مفضلا لتوالد وتزاوج العديد من اصناف الطيور النادرة بالبحر الأبيض المتوسّط مثل «الايرسماتير ذي الرأس الأبيض ونشم الأشخاز والدجاجة السلطانة، هذا الى جانب احتواء المنطقة على 30 نوعا من أسماك المياه العذبة والعشرات من أنواع النباتات المائية». امّا عن مدينة القالة فهي تمثّل القطب السياحي الأكثر جذبا للسياح في المنطقة فضلا عن كونها أهم مدينة بولاية الطارف، انّها مدينة مرفئية ساحلية صغيرة وهادئة بها نحو 25 ألف ساكن وكانت بنيت من قبل الفرنسيين ابان العهد الاستعماري غير أنّها كانت مقصدا للعديد من الشعوب على غرار البربر والرومان والأتراك والعرب والرومان وهي الشعوب التي تركت بصمات شاهدة على الماضي وفترات التاريخ المتعاقبة والعريقة للمنطقة ومجدها التجاري على وجه الخصوص وتنوعها الثقافي والحضاري. والجولة في هذه المنطقة أكثر من رائعة بتلك المنعطفات الجبلية والمناظر الخلابة بين سفوح الجبال ومن فوقها على تلك البحيرات وخلجان المياه والأودية والغابات التي تُغطي تقريبا جميع أركان وزوايا المكان. تنوع بيولوجي وتنمية واشكاليات وما تزال هذه المنطقة المحمية والعالمية تسترقُ الكثير من الأنظار وتطرح العديد من التساؤلات منها على وجه الخصوص طرق وآليات الاستثمار لهذه الثروة الطبيعية النادرة والخطط الاستراتيجية القادرة على تحقيق التنمية بها. وأكّد السيّد عبد العزيز بلخادم الممثل الشخصي للرئيس الجزائري خلال كلمته الافتتاحية للجامعة الصيفية للصحافيين الجزائريين أنّه ما يزال يذكر جيدّا في فترة توليه مقاليد الحكومة الجزائرية المعارضة الشديدة التي لقيها مشروع مد طريق سيارة وسط «المحمية» قال: «حدث ما يٌشبه الثورة رفضا لأن تجتاز المعبدات والاسفلت الخرساني والمحولات البحيرات والمناطق الرطبة بالجهة»، وتلك الاشكالية ما تزال عالقة الى اليوم برغم أنّ الأشقاء الجزائريين استعانوا بخبرات كندية رفيعة المستوى لهم تجارب في مد الطرق السيارة وسط مثل هذه المناطق الرطبة وخاصة بين البحيرات الجبلية، ومن المرجّح أن يكون بعد تمّ الاتفاق على تحويل وجهة الطريق السيارة الجزائرية بعيدا عن البحيرات ضمانا للمخزون البيئي والطبيعي والتنوّع البيولوجي، وتظل مسألة التنمية والبيئة مشغلا حقيقيا تناولته جلسات الملتقى وهو ما سنعود اليه غدا تحت عنوان: «الاعلام والتنمية والبيئة».