تتزايد المخاوف من سنة الى أخرى من الزراعات المحوّرة جينيا بسبب المخاطر المحتملة من ورائها... وما هو ثابت الى حد الآن هو أن التحوير الجيني مستعمل بنسبة كبيرة في مادتي الذرى والصوجا، المستعملتين في العلف الحيواني، ويقع توريدها في تونس لهذا الغرض. لكن استعمال التحوير الجيني في الزراعات الأخرى لم يثبت الى حد الان في بلادنا الا في بعض المزارع المخابر، رغم وجود آراء عديدة تقول بأن التحوير الجيني أصبح يشمل أغلب الخضر والغلال المزروعة في بلادنا دون الاعلان عن ذلك. كما أن آراء أخرى تعتبر أن المنتوجات المحوّرة جينيا، حتى وإن لم تصل الى جسم ومعدة الانسان مباشرة، فإنها تصل إليهما بطريقة غير مباشرة عن طريق منتجات الحيوانات التي تتغذى بنباتات محوّرة جينيا (الصوجا الذّرى) وخاصة الحليب واللحوم... لكن ما هي مخاطر الزراعات المحوّرة جينيا على الانسان؟ وهل توجد مخاطر أخرى على الحيوان وعلى البيئة وكيف تستعد تونس لهذه «الوضعية» التي أصبحت متواجدة اليوم في أكثر من دولة في العالم ولا يمكن منعها أو عدم مواكبتها؟ يقول الدكتور خالد زروق: (خبير في التغذية والتقنية الغذائية وطبيب بيطري) «مبدئيا لا توجد دراسة علمية دقيقة وثابتة حول المخاطر المحتملة للمنتوجات المحوّرة جينيا على صحة الانسان ويستوجب الامر قضاء 30 أو 40 سنة في البحوث والتجارب للتأكد من ذلك وللتأكد أيضا ان كانت «آثار» هذه الزراعات تنتقل الى جسم الانسان عبر الحليب ولحوم الحيوانات». مخاطر الزراعات المحوّرة جينيا هي زراعات تنقل منها وإليها الجينات المنفردة لزراعات أخرى مشابهة، ويتم بالتالي انتاج بذور ومشاتل جديدة غير تلك الأصلية التي كانت موجودة من قبل في الطبيعة، وهذه الاخيرة تضمحلّ تدريجيا لتترك المجال للمحوّرة جينيا... هذا الوضع لا يمكن ان يمرّ دون ان يخلّف وراءه مخاطر عديدة محتملة. فمن حيث المخاطر على الجسم البشري، يقول الخبراء والمختصّون إن مثل هذه الزراعات يمكن ان تؤثر على الجهاز الهضمي وعلى النمو الطبيعي للانسان اضافة الى تسبّبها في بعض أنواع الحساسية... كما يشك العلماء في أن أمراض الحيوان التي ظهرت في السنوات الاخيرة على غرار انفلوانزا الطيور وانفلوانزا الخنازير وجنون البقر سببها تناولها منتوجات محوّرة جينيا، ويمكن ان يحصل الأمر نفسه مع الانسان لو يتناول هذا النوع من الزراعات حيث يمكن ان تصيبه بعض الامراض الغريبة... وبالنسبة الى المخاطر على البيئة، فإن انتشار المنتوجات البيولوجية قد يؤثّر على التنوع البيولوجي الطبيعي وعلى الحياة البريّة العادية. كما يؤدي أيضا الى القضاء على بعض الحشرات النافعة أو الى ظهور أمراض نباتية جديدة قادرة على مقاومة المبيدات. كما أن مثل هذه الزراعات المحوّرة جينيا يمكن ان تؤثر على الحيوان وتصيبه ببعض الامراض الغريبة والتي قد تؤثر على الانسان عندما يتناولها. مزايا لا ينكر المختصّون والخبراء ما للزراعات المحورة جينيا من مزايا أهمها تحسين المردودية الفلاحية للزراعات خاصة من حيث الرفع من الكميات المنتجة بما ينعكس ايجابا على الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي من الغذاء في الدول. كما أن التحوير الجيني للنباتات يسمح بمقاومة الامراض النباتية (الطفيليات والحشرات) ويؤدي أيضا الى تحسين جودة الانتاج والرفع من قيمته الغذائية سواء تعلّق الامر بمنتوج موجّه الى الاستهلاك البشري او الى العلف الحيواني خاصة في ظل ما يردّده العلماء من أن النباتات المحوّرة جينيا تحتوي على نسبة عالية من البروتينات. هكتارات منذ ظهورها في بداية التسعينات والى حدّ الآن حوالي 130 مليون هك في العالم (حوالي 7٪ من الانتاج الزراعي العالمي) ويستغلها 12 مليون فلاح في حوالي 30 دولة أهمها الولاياتالمتحدةالامريكية، غير أن تقريرا صادرا عن احدى المنظمات المختصة يشير الى امكانية تطور هذه الارقام في قادم السنوات بشكل كبير وملحوظ (أكثر من 10 مرّات). وفي تونس، قال الدكتور خالد زرّوق إن الأمر مازال يقتصر فقط على المزارع المخابر ولم يثبت الى حدّ الآن وجود مزارع كبرى لمنتوجات محوّرة جينيا في بلادنا... وكل هذا رغم أن الضغوطات الممارسة من قبل الشركات الكبرى والدول العظمى المتبنية لتقنية النباتات المحوّرة جينيا على الدول الصغرى لا تقاوم، وقد تجد الدول الصغرى نفسها في المستقبل في وضعية حرجة تجاه السيادة الغذائية رغم تحقيق الأمن الغذائي. أمن... وسيادة صحيح أن تقنية النباتات المحوّرة جينيا يمكنها ان تساعد على تحقيق الأمن الغذائي من خلال الرفع في طاقة الانتاج وتحسين جودته، لكنها قد تؤدي من ناحية أخرى الى فقدان «السيادة» الغذائية خاصة إذا لم تكن الدولة قادرة على ابتكار بذور ومشاتل خاصة محوّرة جينيا خاصة بها بعد أن تكون قد فرّطت في بذورها الاصلية الطبيعية. فإذا لم يحصل ذلك، تبقى الدولة، حسب الدكتور خالد زروق، رهينة ما ستقدّمه لها الدول العظمى من بذور لمنتوجات محوّرة جينيا، وقد ترفض الدولة العظمى ذلك أو تطالب بأسعار مشطة وهو ما قد يضع السيادة الغذائية للدول الصغرى والضعيفة في الميزان. قانون واجراءات... بادرت تونس منذ سنوات ببعث البنك الوطني للجينات بغاية المحافظة على المخزون الوراثي للنباتات والحيوانات والكائنات الاخرى الدقيقة وأيضا لاستغلاله بشكل جيّد وتطويره نحو الأفضل وذلك في اطار سياسة حمائية استباقية للسيادة الغذائية الوطنية وحتى لا تجد بلادنا نفسها مرتبطة بعد سنوات ببذور ومشاتل متأتية من دول أخرى ولا يمكن استغلالها الا مرّة واحدة وبعدها لا بد من اللجوء الى نوعية أخرى من البذور. وقال الدكتور خالد زروق إنه يجري الان الاعداد لاصدار قانون ينظم استعمال الكائنات المحوّرة جينيا غير أن صدور هذا القانون طال... وإضافة الى ذلك، تم بعث لجنة وطنية للسلامة الاحيائية لابداء رأيها في كل ما يخص مجال المنتوجات المحوّرة جينيا. غير أن المعنيين ينتقدون عدم وجود من يمثل بعض الاطراف والهياكل ضمن هذه اللجنة، على غرار منظمة الدفاع عن المستهلك. وبين مزايا المنتوجات المحورة جينيا ومخاطرها وبين ضرورة التأقلم مع المحيط العالمي في كل المجالات الاقتصادية وضرورة المحافظة علىالسيادة الغذائية، سيبقى هذا موضوعا حساسا للغاية ولابد من اتباع خطوات حذرة فيه خاصة باصدار القوانين والتشريعات الضرورية لذلك وبتكثيف المراقبة على المعنيين بالأمر.