لماذا أصبحت كلمة عروبة وكأنها اهانة، باستمرار أستمع الى جملة شذر «أنتم العروبيون» من أشخاص عرب أنتمي معهم لنفس المساحة الجغرافية، ورثنا سواسية دين أجدادنا، تربينا في نفس المجتمع، وترعرعنا ضمن نفس الثقافة المزدوجة. رغم أسمائهم: نور الدين، عبد الله، غسان، قحطان.. وحتى أحمد ومحمد، يفاخرون أنهم من أصل بربري، وأن لا علاقة لهم لا بالعرب ولا بالعروبة ،وفي محاولة لالغاء صفة « عروبة» نقرأ ونسمع عن شعب بربري، وآخر درزي، وآخر ماروني، وآخر كردي وسني وشيعي.. وكأن الشعوب ليست موجودة ككيان موحد. ماذا سيغير انتماءهم غير العربي فيما جرى من التاريخ ،يرفضون اللغة العربية ويتدثرون بلغة أجنبية، فليكن، هل يعتقدون أنه ممكن أن يكونوا أبناء أبرار لفرنسا مثلا، سيبقون دائما وأبدا «أبناء الهجرة» القادمين ليرحلوا من جديد. ماذا فعلت العروبة حتى ترفض بهذا الشكل؟ يجيبني الأغلبية أنها سبب في تقهقر الدول العربية، وأن ما يسمى بالأمة العربية هي ضد التطور، ضد العلم، ضد الديمقراطية، ضد التحديث، وأن كل النعم التي تعيشها الأمة العربية اليوم منحها الغرب للعرب وأنكروها، حررهم الغرب (بجيوشهم ) من الحكم العثماني (ثم استعمرهم) أقام لهم دولا حديثة (ثم جزأهم) طور اقتصادهم البدائي ( ثم استثمرهم). ما هو البديل لمن يرفض العروبة؟ هل هي اليسارية؟ أين المثال؟ في البلدان الشرقية التي انهارت وتقسمت وتجزأت، وأصبحت أفقر قارة بعد أن كانت أعظمها ؟ان كان هناك عباقرة لديهم فهم نتاج مجتمعاتهم وروح العصر الذي عاشوا فيه. لا أدافع عن العروبة فليست بحاجة عن دفاع، أقرأها لا كانتماء بل كميراث مشترك ، ما هي فكرة العروبة وماهي مكوناتها؟ وأثر اللغة في المكون العربي؟ هل ما زالت للعروبة آفاق ثقافية وحضارية؟ هل ما زالت العروبة مرتبطة بالقضية الفلسطينية التي أسست معنى الرباط العروبي والقومي؟ هل العروبة اليوم تحمل نظرة للحداثة والسياسة والعلمانية والأصولية والطائفية والمذهبية؟ هل للعروبة مستقبلا في ظل ما تتعرض له الأمة العربية من هيمنة ومخططات وتفكيك وتفتيت، والأدهى أن أهلها هم الطامة فيما يحدث. هل العروبة عرق؟ أم لسان؟ أم ثقافة؟ هل العروبة بوضعها الحالي يمكن أن نفتخر بها؟ هل العروبة لعنة تلاحق كل عربي؟ أم يكفينا ما للعروبة من تاريخ عظيم، فمن ليس له تاريخ لا حاضر له؟ أين اللغة العربية الجميلة التي أصبحت خليطا ونشازا، بعيدة عن الصفاء والنقاء، لا يتميز بها كاتبها، ولا يفتخر بها قارئها. العروبة هي لغة وعرق وحضارة وتاريخ وجغرافيا، هي قومية بامتياز . العروبة كما أفهمها هي إدراك ماهية الانسان العربي. وقد وضعت كلمة الانسان قبل كلمة العربي ومعها لأن ذلك أساس لتأكيد وحدة الأصل الانساني ولاسقاط كل تعريف على أساس عنصر الدم أو الجنس أو الأصل العائلي أو حتى مكان الولادة. فكثيرون يولدون خارج المنطقة العربية، ويعتبرون أنفسهم عرباَ. وكثيرون يولدون داخل المنطقة العربية، ويرفضون الانتماء العربي ويعتزون بأصول قومية أخرى غير عربية. فالانسان العربي لا يتحدد فقط من خلال كونه يتحدث بالعربية، لأن الحديث بأي لغة لا يعني بالضرورة حالة انتماء لأمة اللغة نفسها.. الانسان العربي، هو الانسان المنتمي للأمة العربية من حيث عناصر تكوينها: لغة/ثقافة مع تاريخ مشترك على أرض مشتركة، فهكذا مثلا تكونت الأمة الأمريكية في القرون الخمسة الماضية. العربية والعروبة: العربية: هي لغة الثقافة العربية. فكل انسان عربي.. هو عربي.. لكن ليس كل انسان عربي هو عروبي. فالعروبي هو من يجمع بين مقومات العربية ومستلزمات العروبة (أي بين لغة الثقافة العربية وبين المضمون الحضاري لها وبين التسليم بالانتماء لأمة واحدة). فان «الكل العربي» هو مكون أصلا من «أجزاء» مترابطة ومتكاملة. فالعروبة لا تلغي ولا تتناقض مع الروابط العائلية أو القبلية أو الوطنية أو المناطقية، بل هي تحددها في اطار علاقة الجزء مع الكل. العروبة والقومية: القومية تعبير يسمح بالتقلص وبالامتداد بما هو أكثر أو أقل من معنى العروبة. (كمثال «القومية السورية» في المجال العقائدي والسياسي) و«القومية الكردية» أو البربرية في المجال العنصري.. الخ... القومية تعبير اختلطت فيه مضامين أخرى في التاريخ الحديث والمعاصر، القومية تَشَوّه استعمالها من قبل الكثير من الحركات السياسية المعاصرة... بينما العروبة تحدد نفسها بنفسها، فالعروبة تشمل خصوصيتها وعمومية تعريف القومية، في حين أن استخدام تعبير القومية الآن لا يؤدي غرض معنى العروبة نفسها. (القول: أنا «عروبي» يعني أمورا فكرية وثقافية محددة، بينما القول أنا «قومي عربي» يحتاج الآن الى الكثير من التوضيح والتفسير). العروبة والوحدة العربية: الدعوة الى العروبة هي دعوة فكرية وثقافية، بينما الدعوة الى الوحدة العربية هي دعوة حركية وسياسية. الانتماء الى العروبة يعني التسليم بالانتماء الى أمة واحدة يجب أن تُعبّر عن نفسها بشكل من أشكال التكامل والاتحاد بين أبنائها.. لكن «الوحدة» قد تتحقق بحكم الفرض والقوة أو بحكم المصالح المشتركة (كالنموذج الأوروبي) دون أن تكون الشعوب منتمية بالضرورة الى أمة واحدة. «الوحدة» ليست معيارا لوجود العروبة بينما العروبة تقتضي حتما التعبير السياسي عن وجودها بشكل وحدوي. العروبة كلمة فضفاضة، هناك من يتقن صيغة الكلام عنها، وهناك من يرفض صفاتها ووجودها، لكنها تكمن بداخلنا.فهناك العروبة السامية الفكرية، المستقلة، المنفتحة، ولا يمكن أن نحارب العروبة على أنها انتماء وطني منعزل، بفكر عقلاني منغلق.