قالت العرب قديما ان الشيء إذا فاق حدّه انقلب الى ضده... وهذا المثل ينطبق بالكامل على الاشهار في قناتي «تونس 7 وحنبعل» اللتين اطلقتا العنان للمادة الاشهارية ترتع في شهر رمضان دون ضوابط، دون ذوق ودون مراعاة لراحة المشاهد او احترام لحقّه في متابعة الاعمال الدرامية الرمضانية. ويبدو أن المشرفين على القناتين سيكونون مطالبين اذا تواصل الأمر على هذا النحو ببرمجة فقرة خاصة او مسلسل رمضاني اشهاري يتم الاعلان عنه ضمن الشبكة الرمضانية... وهكذا تعمل القناتان بمقولة «قد اعذر من أنذر»... ليتحمل المشاهد الذي يختار احدى هذين القناتين في سهرات رمضان تبعات اختياره... ولا يتذمّر بالتالي من طول المادة الاشهارية التي «يقصف بها» سواء بين فقرات وبرامج السهرة أووسط المسلسلات والفقرات «الخفيفة» التي يتم بثها... فما معنى ان تبث فقرة اشهارية تتواصل دون انقطاع على مدى عشرين دقيقة؟ تتناطح فيها أنواع المأكولات والمشروبات مع اشهارات أخرى لمواد وبضائع وخدمات في «لوحة» عشوائية لا ذوق ولا تناسق فيها؟ الا يرى المشرفون على هذين القناتين اللتين يعتز التونسي بمتابعتهما في الشهر الكريم خاصة ان في الامر ازدراء بالذوق السليم واستهتارا براحة وبأعصاب المشاهد وتجاهلا لحقّه المشروع والمباح في متابعة قناته المفضلة في أريحية وبعيدا عن معكّرات من الحجم الثقيل... ثقل المادة الاشهارية المكدّسة لعشرين دقيقة بالتمام والكمال؟ نفهم مردود الاعلانات للقناتين،ونفهم حاجتهما لموارده لتحقيق توازنهما المالي لكننا لا نفهم الاجحاف في حق المشاهد ولا نفهم هذا الميل المعلن الى التخمة بشكل يتعدى كل المقاييس والضوابط المعمول بها في الدول المتقدمة والتي يفرضها في الأصل الذوق السليم والحرص على راحة المشاهد وعلى عدم تعكير صفو متابعته للمسلسلات والبرامج التي يختار... لأن المعادلة سهلة وقتها وما يجمع المشاهد بقناة ما هو إلا زرّ قد يحمله الى فضاء آخر... ونترك للقناتين تصوّر من يكون الخاسر وقتها في زمن تخوض فيه الفضائيات «حروبا شرسة» لاستقطاب المشاهدين وشدّهم الى برامجها شدّا... وحين ندعو الى الاعتدال في بث المواد الاشهارية وفي اخضاع العملية الى ضوابط ومقاييس فإننا لا نبتدع شيئا جديدا، بل نحيل الجماعة في القناتين على القواعد المتبعة في عديد التلفزت في الدول المتقدمة حيث لا تتجاوز العملية 8 أو 9 دقائق... وحيث باتت القنوات تمتنع عن قطع المسلسلات وتعكير متابعتها لبث المواد الاشهارية... هذا دون الحديث عن دول مثل فرنسا مثلا التي حضرت الاشهار في التلفزيون العمومي منذ 2008... هل يصغي المشرفون على القناتين الى هذه الصرخة التي تعتمل في صدور كل التونسيين الحريصين على متابعة الفضائيات التونسية في هذا الشهر الكريم خاصة وباقي شهور السنة عامة فيعمدون الى تقنين العملية وتنظيمها وضبطها بشكل يراعي الوسطية فلا «تجوع» القناة ولا يشتكي المشاهد؟ أم أن رقصات الملايين باتت هي البوصلة والمرجع ليصبح المشاهد عجلة عاشرة؟