...«راجيا من اللّه حسن العاقبة .فذكر بها المؤمنين ،ورجاهم أياها لقول الله تعالى: «إنّ العاقبة للمتّقين»أ ي الحذرين. وبعد فإنّ كل من كان قبلي كان يعمد إلى العدوالأقصى ويترك عدوا منه أدنى، ينتهز منه الفرصة، ويدل منه على العورة، ويكون عونا عليه عند النكبة، وأيم اللّه لا أريم هذه القلاع، والجبال الممتنعة حتى يضع اللّه أرفعها،ويذلّ أمنعها، ويفتحها على المسلمين بعضها أو جمعها، أو يحكم اللّه لي وهو خير الحاكمين». وتكشف هذه الخطبة العصماء على تمكّن موسى بن نصير من اللغة العربية وعلى قدرة على الخطابة كما تبرز الخلفية السياسية والإستراتيجية التي جعلت من موسى بن نصير قائدا عظيما فقد فهم من البداية أن القضاء على جيوب المقاومة من المرتّدين أهم من فتح مناطق جديدة لذلك ركّز كل جهوده على تدعيم المواقع القريبة التي فتحها قبل أن يهتم أو ينشغل بالفتوحات الجديدة في أقصى بلاد المغرب. فقد تفرّغ موسى بن نصير في بداية وصوله الى العاصمة القيروان الى تحصينها وتثبيت الحكم الإسلامي في المناطق القريبة منها والتي كانت تمثّل جيوبا للمقاومة البيزنطية تستعمل لتخريب وعرقلة أي تقدّم للجيوش العربية الإسلامية وقد نجح موسى بن نصير في أن يجعل من القيروان ومحيطها قاعدة صلبة لحكمه قبل التّوجه نحو برقة وطرابلس والمغرب الأوسط والأقصى وهما الجزائر والمغرب اليوم. هذه النظرية التي اعتمدها موسى بن نصير هي التي كانت وراء تدعيم وتثبيت أسس الحكم العربي الإسلامي والتي تفوّق فيها على من سبقه من القادة الذين تعثّرت جهودهم في تثبيت الحكم العربي الإسلامي.