تناولنا في العدد السابق القصة الثانية من أصحاب الغار, واليوم نتناول القصة النبوية الثالثة والأخيرة وهي الواردة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (فَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَأَنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ إِلَّا أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَطَلَبْتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، فَقَالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ الْمِائَةَ دِينَارٍ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا). القصّة الثالثة: تناولت هذه القصة حكاية الشاب الثالث من أصحاب الغار الذي راود ابنة عمّه الفقيرة عن نفسها والتي أبت إلا أن يعطيها مائة دينار وقد يكون طلبها تعجيزيا حتى ينصرف عنها قريبها , لكنّه اجتهد وتحصل على المبلغ وسلّمه للفتاة التي باتت أمام الأمر الواقع ومكنته من نفسها صاغرة ولكن لمّا قعد بين رجليها ناشدته أن لا يقع في المحظور والحرام وأن يتقي الله وأن يتزوجها زواجا شرعيا(اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ) , فكان لكلماتها الوقع الشديد في نفس هذا الشاب حيث أيقظت فيه جذوة الإيمان وأزالت عنه تلك الغشاوة التي أعمت بصيرته وتغلب على نزغ الشيطان ووسوسته فقام عنها ولم يقع في الزنا. قال تعالى : {إنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} (الأعراف 201) إن ما يمكن أن نأخذه من دروس من هذه القصص الثلاثة كثيرة وجليلة لعلّ في مقدمتها الصدق في القول والإخلاص في العمل لأن هؤلاء الشبان الثلاثة لمّا أووا إلى الغار اتقاء من المطر انطبقت الصخرة وسدت عليهم باب الغار , فلجؤوا إلى الله جلّ وعلا وجأروا إليه بالدعاء وتوسلوا بتلك الأعمال الصالحة التي قاموا بها بإخلاص لمولاهم دون رياء لأن الرياء محبط للأعمال دافعهم في ذلك الخشية من المولى عز وجلّ, فاستجاب لهم ربهم وفرّج كربهم , ونجاهم وخرجوا من الغار سالمين .