سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحركة الوطنية: في الذكرى 129 لملحمة الدفاع عن مدينة «القيروان» (25 أوت 28 أكتوبر 1881): معركة «الأربعين»: أوّل معركة ينتصر فيها المقاومون التونسيون على جيش الاحتلال الفرنسي
بعد احتلال الجيش الفرنسي لشمال البلاد التونسية، في موفى شهر جوان 1881، وتوقيع اتفاقية الحماية سادت حالة من الاضطراب والفوضى والغضب بسبب ما اعتبر خيانة من قبل الباي، وبدأ المقاومون التونسيون بالاستعداد لمواجهة الوجود الاستعماري. الأمر الذي دفع سلطة الحماية الفرنسية، منذ بداية شهر جويلية، إلى تعزيز جيشها ليفوق عدده 22 ألف جندي وضابط فرنسي توزعت على أربعة فيالق قادها 4 جنرالات: نذكر منهم خاصة قائد جيش الاحتلال الجنرال «سوسيي» والجنرال «ساباتييه» قائد فيلق زغوان والجنرال «لوجيرو» قائد فيلق سوسة والمقدم كوريار هذه الفيالق مدعمة بمئات المدافع متنوعة الأعيرة والأحجام وعشرات العربات، بمشاركة 5 الاف «قومي» جزائري وبعض العناصر من بقايا الجيش التونسي. وجدت هذه القوات نفسها في مواجهة مقاومة شرسة أبداها فرسان ومشاة من مختلف القبائل التونسية من كافة مناطق البلاد يضاف إليهم الجنود التونسيون الفارون من الثكنات، حيث أخطأت السلطات الفرنسية حين أمرت السلطات التونسية بتسريح الجنود وحل الجيش التونسي. بلغ عدد المقاومين حوالي 12 ألفا بين فرسان قبائل وجنود فارين مثل قبيلة جلاص (2700 مقاوم بقيادة «علي بن عمارة») والسواسي (1250 عنصرا بقيادة «صالح الحفصي») والمثاليث وأولاد سعيد والساحلين ونفات والهمامة وبني زيد وورغمّة وقد تحالفت جميع هذه القبائل مع القرى الساحلية (جمّال والقلعة الكبرى وبنان وقصور الساف) وجنودها الهاربين (بلغ عددهم حوالي 850 جنديا فارا) بمساندة بعض المدنيين (89 مدنيا) تولى قيادتهم «علي ولد خديجة» و«ساسي سويلم» و«علي بن مبروك» و«سعيد القم» و«علي ولد البحر». حدّدت مهام القوات الفرنسية المنتشرة بسواحل البلاد التونسية وشمالها والأخرى المرابطة بالبلاد الجزائرية بتركيز الزحف تجاه مدينة القيروان وهو ما يفسّر تعبئة قوات الاحتلال للزحف على القيروان انطلاقا خاصة من الضواحي الجنوبية لتونس العاصمة. انطلق المقدّم «كوريار» من الحمامات ليعسكر في «بير حفيظ» يوم 26 أوت حيث هاجمه قرابة 3000 مقاوم فرسان من جلاص (حسين بن مسعي) وأولاد سعيد (350 مقاوما) بقيادة الحاج الواعر) وجنود الساحل وخاصة من القلعة الكبرى. تقدّم «كوريار» من جديد نحو الحمامات معسكرا في منطقة «الأربعين» حيث تعرض معسكره خلال ليلة 28 أوت لهجوم مكثف من قبائل جلاص والهمامة والمثاليث وبني زيد وورغمّة والسواسي وألاد سعيد ورياح والمهاذبة وقرابة ال150 من جنود الساحل، اضطرّ الفرنسيون للتراجع يتبعه المقاومون الذين هاجموه مرة أخرى يوم 29 أوت 1881 بين «عين تركي» و«قرمبالية» وطاردوه حتى وصوله حمام الأنف في 30 أوت في الليلة الفاصلة بين 1 و2 سبتمبر هاجم فرسان من جلاص معسكر المقدم «كوريار» في حمام الأنف بشراسة أثارت الرعب في المعسكر. رفع الانتصار في معركة الأربعين معنويات المقاومين الذين بدأت أعدادهم في ازدياد وهو ما دفع «لوجيرو» إلى تعبئة فيلقه والتحضير للتقدّم من جهة الساحل (الحمامات) لمحاصرة المقاومين بينه وبين فيلق الجنرال «ساباتييه» في زغوان الذي قرّر تأمين طريق زغوانالقيروان. في 10 سبتمبر حاصر قرابة 2200 مقاوم طليعة طابور من فيلق «ساباتييه» جنوبي زغوان ولم ينقذه سوى وصول نجدة أرسلها «لوجيرو» مع فصيلة مدفعية انسحب على إثرها المقاومون بخسائر كبيرة. تواصل الإغارات على معسكر الفرنسيين خاصة يوم 14 سبتمبر، وهو ما دفع الجنرال «ساباتييه» إلى أخذ 15 رهينة من أعيان زغوان هدد بقتلهم في حالة تعرض جنوده إلى هجمات دون أن ينبه أهالي زغوان السلطة العسكرية لذلك وهو ما دفع بأغلب المقاومين للتراجع جنوبا. في 11 أكتوبر غادر «ساباتييه» منطقة «الفحص» قبل أن يضطر إلى التراجع بفعل استبسال المقاومين على طريق زغوانالقيروان وهو ما دفع الجنرال «سوسيي» قائد جيش الاحتلال، إلى طلب المدد وتعبئة كافة الطوابير ليقودها بنفسه في 22 أكتوبر نحو القيروان لاحتلالها. في اليوم نفسه الذي غادر فيه الكثير من المقاومين ساحة القتال، بفعل التأثير السلبي الذي سببه مقتل «علي بن عمارة» وكثرة الإصابات في صفوفهم فاسحين المجال أمام كتيبة الجنرال «سوسيي» التي تقدمت بسهولة حيث يتمكن من تبقى من المقاومين من صدهم فتراجعوا في 24 أكتوبر إلى القيروان التي رفض عاملها السماح للمقاومين المتراجعين بدخول المدينة خوفا عليها من الدمار والتنكيل، فغادرها من تبقى من المقاومين في 25 أكتوبر ليدخلها الجنرال «سوسيي» في 28 أكتوبر معلنا انتهاء مرحلة من مراحل المقاومة سقط خلال هذه الملحمة أكثر من 150 شهيدا ومئات الجرحى من المقاومين التونسيين الذين وجدت جثامينهم في مواقع المعارك دون الذين حملوا ودفنوا بعيدا في حين تكبدت القوات الفرنسية 45 قتيلا و86 جريحا (بسبب غياب الرقم الصحيح للضحايا من الجانبين فمن المرجح أن يكون الرقم الصحيح أضعاف ذلك). ورغم الخسائر المادية والبشرية الجسيمة ورغم قلة العدد والعتاد فقد كانت هذه الفترة الملحمية ملهمة للأجيال التونسية اللاحقة لمواصلة درب النضال حتى تحقيق الاستقلال. يامن حمدي (باحث في التاريخ المعاصر كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس)