مميزات شهر رمضان كثيرة... فعلاوة على أنه شهر رحمة وفضائل فهو يذكرنا بالمدفع... وبوطبيلة... والفانوس. وأهم شيء الزلابية والمخارق... التي تمثل وجبة رئيسية في سهرات رمضان العائلية مع فنجان القهوة... وكأس الشاي الاخضر الصيني... فحضور الزلابية والمخارق ضروري في كل لمّة عائلية لتحلية السهرة وإذكاء عليها مسحة من الانس والسرور... الصغار والكبار يرون سحر رمضان وأجوائه في الزلابية والمخارق كما أنها الهدية المحببة التي يحملها المتزاورون من العائلات الى بعضهم البعض مع «صاشي» الياغورت، والزلابية والمخارق من الصنائع التي تزدهر بشكل لافت خلال هذا الشهر الكريم... فرغم تكاثر الايدي في صناعتها... وتداخلها الغش، فإن هذه الحلويات تبقى لها مذاق خاص ونكهة أخص في السهرات العائلية الرمضانية... يوم الجمعة الماضي قادتنا رحلتنا الرمضانية الى الوطن القبلي... وفي مدينة نابل تحديدا، فإثر صلاة العشاء والتراويح جمعتنا الصدفة بأحد الشيوخ الاجلاء الذي أعرفه من زمان عندما كان يقيم بالعاصمة، وكان لنا لقاء وحديث طويل عن الدنيا ومشاغلها، عن رمضان وكراماته وكل شيء تميز به، الى أن وقف بي في محطة انفرد بها رمضان عن سائر أيام العام، وهي صناعة الزلابية والمخارق التي تعتز بها نابل وفاقت زلابية باجة حلاوة ونكهة... يقول محدثي كرمه الله أن مدينة نابل صاحبة الفضل الكبير في انتشار هذه الصناعة التقليدية الاصيلة داخل وخارج الوطن، وأن زلابية نابل وصلت الى البايات، حيث كان المرحوم السيد عبد القادر النجار وراء هذه الشهرة وهذا التميز لزلابية نابل، كان حرفيا متمرسا في الصنعةوله زبائن كثر يقبلون على الزلابية والمخارق. بعد ذلك خلفه ابنه سي صالح. فرغم ثقافته الواسعة باعتباره كان يعمل موظفا باحدى الوزارات ارتأى أن يحيي نشاط والده المرحوم الذي كان المزود الرسمي للبايات وشارك في عديد المعارض الدولية بأوروبا... وأمريكا... ويوصال الشيخ حديثه بتفاخر واعتزاز كبيرين أن هذا الامر مكن ابن سي عبد القادر طيب الله ثراه من الاسهام في الحفاظ على هذه الصناعة الغالية من الاندثار وبالتالي الحفاظ على التراث الوطني... والذاكرة الوطنية أيضا... وتشير بعض المراجع التاريخية كما جاء على لسان محدثي ان الزلابية النابلية كانت ذات شأن في عهد البايات وهذا مرده الحرفية الفنية العالية ومنحت لصاحبها الحظوة الطيبة والمكانة وإقبال الحرفاء... وهو إنجاز عظيم تتباهى به مدينة نابل وبقية جهات الوطن القبلي والى اليوم يرى متساكنو نابل أن المرحوم الحاج عبد القادر النجار كان محل ثقة الناس وثقة الباي. ومن الاسرار العجيبة في صناعة هذه النوعية من الحلويات ان الباي طلب من المرحوم اعداد الزلابية خصيصا لليلة القدر ويجب أن تصل ليلتها دون تأخير حيث بدأ في اعداد الطلبية منذ يوم 23 رمضان وبعد الانتهاء منها وضعها في جرار من الفخار وأحكم غلقها بغطاء فخاري بشدة الجبس ثم وضعها في كومة من التبن حتى لا تتهشم عند نقلها على الجمال. وعن سر حسن مذاق الزلابية والمخارق قال محدثي: نحن لا نشتري هذه الحلويات الرمضانية إلا من عند المرحوم أو ابنه من بعده الذي حفظ فنون وأصول صناعة الزلابية وسر نكهتها وبنّتها... من خلال طريقة إعدادها... ومثلما يقول مثلنا الشعبي كل شيء «ويدات» سواء عند المرأة أو عند الرجل... ف«محشي» تطاوين لا يتقنه أحد غير أبناء هذه الجهة أو فطاير غمراسن... بصراحة الزلابية على نابلوباجة فقط والمقروض على القيروان.