هو يحيى بن عمر بن يوسف بن عامر الكناني ويعرف بأبي زكرياء، الا ان أهالي سوسة وزوارها يعرفون هذا العالم والفقيه والولي الصالح بسيدي يحيى، وقد اشتهرت الحديقة العمومية التي تتوسط قلب جوهرة الساحل باسمه، ومن من زوار سوسة لم يستهوه الجلوس والاستراحة بحديقة سيدي يحيى. ولد بقرطبة سنة 838م الموافق ل 313 ه، درس بالاندلس على أيدي جماعة من العلماء من أشهرهم عبد الملك بن حبيب ثم رغب في الاستزادة من العلوم الفقهية فولى وجهه نحو الشرق وأدى فريضة الحج قبل ان يرحل الى مصر حيث أقام بها فترة من الزمن أخذ فيها من مشاهير فقهاء المالكية من أمثال عبد الرحمان بن عبد الحكم ويحيى بن بكير واصبغ بن القيروان. وبعد إقامة دامت لسنوات في ربوع أم الدنيا سافر الى عاصمة الأغالبة وهو يمنّي النفس بمجالسة الامام سحنون حيث روى عنه مدونته وغيرها من أصول الفقه وصاحبه لفترة من الزمن أصبح خلالها من أجل محبي الراوين عنه ومن القيروان رحل الى سوسة حيث استقر بها صحبة أفراد أسرته الذين التحقوا به. ومما يقول عن هذا العالم والولي الصالح أنه كان اماما كثير الكتب في الفقه والاثار عالما بكتبه متقدما في الحفظ تقيا ورعا، وله مؤلفات كثيرة في مسائل من العلم وقال عنه الطبيب القيرواني الشهير أحمد بن الجزار ان له مصنفات تتكون من 40 جزءا، من بينها كتاب الرد على الشافعي والميزان وكتب الوسوسة وأحلام السوق والرواية والنساء والرد على الشكوكية وأحمية الحصون وتصنيفه المعنون «بفضل المنستير والرباط». توفي يحيى بن عمر في نوفمبر 902م بمدينة سوسة ودفن بها في مقبرة خارج السور، وحضر جنازته جمهور غفير من أهل الساحل وأعيان القيروان. وقد رثاه عديد الشعراء، ومن أبرزهم الاديب سعدون الورجيني الذي قال في مرثيته الشهيرة: تأبى الليالي علينا أن تدوم على جمع الشمل أو سدّ من الثلم عجبت ان لم أمت حزنا وقد دفنت كفّاي في الترب أنقى العرب والعجم يا موت! أثكلتنا يحيى وكان فتى في بلدة الغرب مثل البدر في الظلم ما كان الا سراجا يستضاء به في العلم يسمع منه العلم في الحلم وكان يحيى اذا خفنا لنا حرما نلجأ اليه، فقد صرنا بلا حرم وكان يحيى لنا سيفا يعز به الدين الحنيف ويحمي كل مهتضم وكان يحيى لنا حرزا وكان لنا كنزا وكان كالغيث في الأزم لتبك يحيى عيون بالدموع فان غاضت مدامعها فلتبكه بدم ومن أشهر تلاميذه أبو جعفر الاربسي السرداني المعروف الآن ب»بوجعفر» الذي أودع لديه يحيى جميع كتبه لدى ذهابه الى تونس، فنسخها أبو جعفر بأكملها.