في هذه الحلقة نواصل الحديث عن مفسدات الصيام من مفسدات الصيام إنزال المني باختيار الصائم عن طريق الاستمناء أو التقبيل أو المداعبة. أمّا التقبيل والمداعبة التي لا يترتب عليها إنزال المني فإنها لا تفطر ولا تفسد الصوم. لحديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُقَبِّل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه كان أَمْلَكَكُمْ لإربه). لكن إن كان الصائم يخشى على نفسه من الإنزال بالتقبيل ونحوه أو من التدرج بذلك إلى الجماع لعدم قدرته على كبح شهوته، فإن التقبيل ونحوه يحرم حينئذ سدا للذريعة وصونا لصيامه عن الفساد.أمّا إنزال المني بالاحتلام فهذا لا يفسد الصوم لأنه يتمّ بغير اختيار الصائم وهو من الأشياء المعفو عنها. ولذا يجب على الصائم تجنب هذه المفطرات إن كان صومه واجبا كصوم رمضان والكفارة والنذر اللهم إذا كان له عذر يبيح الفطر كسفر ومرض ونحوهما، و أما إن كان صومه تطوعا فإنه يجوز له الفطر ولو بدون عذر ولكن الْأَوْلَى الإتمام. فمفسدات الصوم التي ذكرناها ماعدا الحيض والنفاس لا تفسد صوم الصائم إلا بشروط ثلاثة: أن يكون عالما بها فإن كان جاهلا لم يفطر، لقوله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}( البقرة286) وقوله أيضا: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} ( الأحزاب: 5 ) وسواء كان جاهلا بالحكم الشرعي مثل أن يظن أن هذا الشيء غير مفطر فيفعله، أو جاهلا بالحال أي بالوقت مثل أن يظن أن الفجر لم يطلع فيأكل وهو طالع، أو يظن أن الشمس قد غربت فيأكل وهي لم تغرب، فلا يفطر في ذلك كله. أن يكون ذاكرا فإن كان ناسيا فصيامه صحيح ولا قضاء عليه لحديث النبي: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) مسلم فأمر النبيِّ بإتمامه دليل على صحته، ونسبة إطعام الناسي وسقيه إلى الله دليل على عدم المؤاخذة عليه. أن يكون مختارا، أي: متناولا للطعام أو الشراب باختياره وإرادته، فإن كان مكرها فصيامه صحيح ولا قضاء عليه ؛ لأن الله سبحانه رفع الحكم عمن كفر مكرها وقلبه مطمئن بالإيمان فقال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ( النحل: 106)