لم يكن استهزاء جون ماري لوبان رئيس الجبهة الوطنية الفرنسية من العرب وتفضيله للأبقار عليهم بجديد ولا بطريف عن شخصية عُرفت بمقتها للآخر مهما كان عرقه أوأصله وبكراهيتها للمختلف مهما كان لونه أو اسمه جون ماري لوبان تاريخ طويل وعاصف مليء بالفضائح والمهاترات اختار منذ البداية التمترس في خندق «المتطرفين العنصريين» ولم يراجع يوما على الأقل صحة مقاربات اليمين عندما تمتزج بالدم والعرق ولم يشك لحظة في عقم أطروحات «أقصى اليمين» لمّا تستند الى المسلمات الدغمائية والأفكار الاقصائية. منذ الأربعينات من القرن الماضي وجون ماري لوبان يبحث عن فريق يشعر داخله ب«الرفعة والرقي» عن العبيد، فلم يجد حرجا في الانخراط في الجمعيات السياسية المؤيدة للحكم النازي الالماني والفاشي الايطالي بل لم يجد أدنى غضاضة في اقامة اذاعة محلية تناصر «اليمين» في عنصريته البغيضة. حلم الاربعينات استبد بالشاب العشريني.. والتوق الى ابراز نقاء الدماء الاوروبية والغربية على الدماء الاخرى استحال عملا عسكريا دفع بلوبان الى جبهات قتال واحتلال في اكثر من قارة واكثر من مكان. فقاتل في الفيتنام مع الجيوش الفرنسية..وحارب خلال العدوان الثلاثي على مصر عبد الناصر مع الجيوش الاسرائيلية والبريطانية والفرنسية.. وأشهر سلاحه مستهل الستينات في وجه حركات التحرر الجزائرية التي أعلنت الثورة على المحتل. هكذا، لم يكد العقد الرابع من عمر لوبان يكتمل إلا وقد اجتمعت لديه مشاعر الكره وأحاسيس المقت من كل ما هو «آخر» يرفض الانصهار والتلاشي في «الذات الغربية» ويستبعد أي تقديس للحضارة الغربية. بعد أن جرّب تمثيل تعصّبه للذات صحافة وإعلاما، وتجسيد نفوره من الآخر عسكريا، كان على لوبان أن يجسّم حقده سياسيا. وكما كل انسان مدفوع بدوافع المقت.. وجد لوبان المقت من أصحابه قبل أعدائه. وكما كل مشروع منبن على أساس التخريب والافساد.. نفر من لوبان ومن أطروحاته اليمين قبل اليسار. حينها كنت فرنسا تموج بأفكار التنوير والتحرير وحينها كانت المبادئ الجمهورية متغلغلة في الانسان الفرنسي قبل رسمها في الدستور، فما كان منه إلا إنشاء حزب يتدثر برداء الوطنية الفرنسية وهي منه براء ويستغل مشاكل الاقليات العرقية والدينية في البلاد ليشكل بذلك ملجأ هروب «الفرنسيين الأصليين» عند كل خطر حضاري يتهدّد «وجودهم الثقافي». بقي «حزب الجبهة الوطنية»، منذ سبعينات القرن الماضي 1972 منبوذا من كل التيارات السياسية سواء المعارضة أو الحاكمة بل وتحوّل في وقت غير بعيد الى معارض للنظام الحاكم وللمعارضة أيضا.. والأكثر من ذلك أنه أصبح في ظرف قريب النقطة السياسية الوحيدة التي تتوافق الأحزاب الفرنسية على معارضتها جملة وتفصيلا.. بيد أن بقاء الحال من المحال.. فالمنبوذ شخصا وحزبا تحول الى رقم صعب في الانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية والبطاقات الانتخابية التي تذهب لصالحه فاقت بكثير الاوراق الذاهبة لأصحاب الحكمة والوسطية في البلاد. ورويدا رويدا... فقدت «فرنسا الديغولية» روح زعيمها وسياسته التحررية وباتت تبحث عن روح لها جديدة في ادبيات المحافظين الجدد الأمريكان او «النازيين الجدد» في أوروبا. ورويدا رويدا ايضا اصبح للوبان اتباع وتلاميذ في السلطة والمعارضة يلتزمون بآرائه في اسلوب التعامل مع الاقليات وفي التهديد بسحب الجنسيات من الفرنسيين ذوي الاصول الاجنبية وفي اطلاق الاوصاف القذرة على العرب والمسلمين وفي التدخل حتى في العبادات الدينية. ورويدا رويدا ايضا اصبح اليمين، كل اليمين، منضويا تحت جبّة اليمين المتطرف واستحال حزب «الجبهة الوطنية» عنوان اليمين في فرنسا ونموذجه الاوفى. ٭ ٭ ٭ ٭ من حق كل متابع اليوم للشأن الفرنسي ان يطلق صفارات الانذار . فخطاب وسياسات اليمين الحاكم المستلهمة من الجبهة الوطنية لا تبشر بخير سواء على مستوى مكانة فرنسا الاقليمية او الدولية... والمهم للغاية ان ينفخ عقل الحكمة في فرنسا روح التسامح والمحبة والعيش المشترك قبل ان تتحوّل فرنسا الديغولية الى فرنسا اللوبانية..