إلى جانب الرباطات والأبواب تنتصب بمحيط المدينة العتيقة ببنزرت إلى اليوم ما يعرف بالقلاع والأسوار التي ساهمت بدورها في نحت الخصوصية الحضارية لهذه الجهة على مر التاريخ على غرار قلعتي «القصبة» و«القصيبة» إضافة إلى ما يعرف تحت تسمية «الحصن الأندلسي» أو بالأحرى الإسباني... لدى كثير من عشاق هذه المنطقة والباحثين على حد سواء الذين أجمعوا على دور هذه الفضاءات كمراكز مراقبة لحماية وسط هذه المدينة وتحصين المرسى الفينيقي القديم من هجمات الأعداء في ضوء أنه القلب النابض منها تجاريا واجتماعيا وثقافيا... وتشير عديد الدراسات إلى التغيرات الطارئة على أركان هذه الأسوار ومواقعها من المدينة والتي تعتبر شاهدا على أهمية التوافد الحضاري والثقافي على درة المتوسط على امتداد التاريخ الإنساني علاوة على إقامة الدليل القاطع على جدية «البنزرتيين» كما جاء في كتاب: «هذه بنزرت» للمؤرخ «رشيد الذوادي» في حراسة مدينتهم من على مشرف هذا الثغر الجميل وقد أوضح الأستاذ الباحث «الهادي بوعيطة» في مؤلف: بنزرت: المعالم الإسلامية بأنه يعود تاريخ إنشاء أولى هذه التحصينات إلى سنة 307 قبل الميلاد على يد القائد الصقلي «أنتوكل» الذي تولى أيضا توسيع الميناء الفينيقي بالمدينة وفي سنة 439 أمر جنسريك قائد عسكر الوندال بهدم الأسوار التي تحيط بمدينة بنزرت إلا أن قائد الجيوش البيزنطية بليزار الذي قام بطرد الوندال من البلاد أذن سنة 534 بإعادة بناء تلك الأسوار... هذا ولا تُخفي بحوث المؤرخين حول هذه الظاهرة دور الأغالبة في العمل على تحصين المدن الساحلية على غرار مدينة بنزرت بعد أن هُدمت لفترة على يد الامبراطور الإسباني شرلكان عام 932ه الموافق ل1535م وفي هذا الصدد يشدد الباحث رشيد الذوادي بالصفحة 63 من ذات المرجع المذكور آنفا إلى أننا إذا ما تأملنا بقايا الأسوار فإننا نكتشف أشياء كثيرة عن الفن المعماري الأغلبي... فالشرفات المطلة على المرسى القديم هي جزء من سور بنزرت والتي تجعله كثير الشبه بسور مدينة سوسة... قلاع دفاعية من الهجمات البحرية! وتعد القصبة والقصيبة إضافة إلى الحصن الإسباني أشهر القلاع التي مثلت بمثابة مراكز الحراسة لمدخل الميناء العتيق والمدينة من الهجمات البحرية ولئن اختلفت الدراسات حول الأصول التاريخية لمثل هذه المعالم والتي توزعت إلى كونها إرث أغلبي وبيزنطي بالأساس فإن معظم البحوث أجمعت على دورها كقلاع لحماية المدخل المائي من الجهة الجنوبية والشمالية على حد سواء... هذا ويُشكّل الحصن الإسباني القلعة المشرفة الأخرى على المدينة في شكل نجمة ذات خمسة أذرع... ومهما يكن من أمر هذه التحويرات في الطبيعة الفنية لهذه الحصون فإنها اضطلعت بوظائف دفاعية متنوعة وفي هذا الإطار أوضح الأستاذ «رشيد الذوادي» في مؤلفه «هذه بنزرت» أنه ومنذ القديم أحدثت في أركان الأسوار عدة أبراج خصصت لمأوى الحراس كما أحدثت بداخل كل برج طريق تسايره على كامل امتداده أعدت لمرور عساكر الحراسة على هذه الأسوار...