ذكرها الجغرافيون العرب تحت اسم قمودة وعرفها عبد الله البكري بكونها كورة قمونية كما خصها حسن حسني عبد الوهاب بدراسة لتحديد إقليم قمونية واهتم بها الباحث الأثاري فتحي البجاوي من خلال ما قام به من دراسات وحفريات. وجد بها الانسان البدائي وترك اثارا لأدوات صيد مصقولة من حجر الصوان، تعاقبت عليها عدة حضارات انطلاقا من البربر مرورا بالرومان وصولا الى الفتوحات الاسلامية فقدوم بني هلال أواسط القرن الحادي عشر ميلاديا، الخامس الهجري. وكما للأمصار مناراتها فإن لقمودة أعلامها ونذكر على سبيل المثال ابو الفحص القمودي وأبو عبد الله القمودي وعبد العزيز القمودي وأبوبكر عتيق بن عبد العزيز المجدولي وأبو بكر القمودي وبقدر ما أثرى البربر والرومان والفاتحون المسلمون المخزون التراثي المادي بما هو معالم مدنية ودينية تمثلت في الحمامات والمعاصر والسدود وسواقي المياه خاصة في عهد الملك النوميدي ماسيناس والأضرحة والكنائس أهمها «تقموطة» أو قصر البارود بجلمة وماجل السماوي بسيدي علي بن عون وبئر الصنب بالهيشرية الذي يعود الى الفترة الأغلبية (وهذا المعلم كان يعتقد الى وقت قريب بأنه بناء روماني). ان التواجد الهلالي بقمودة طبع الجهة بخصوصية دون باقي الجهات والمعنى من ذلك مكن الجهة من مخزون هام من الثقافة اللامادية ذلك انه يعود لهم الفضل في إثراء الذاكرة الشفوية بالجهة وأثّروا في جملة من القيم التي ذكرت ضمن أغراض الشعر الشعبي والأساطير والملاحم والخرافات والأمثال الشعبية والألعاب الشعبية المتناقلة شفويا والمثبتة نصيا في كتب التاريخ. كما تغنوا بالنجع والقافلة، الى ذلك ادخل قدومهم عادات اجتماعية وأنشطة اقتصادية لم تكن معروفة عند الأهالي فطبيعة ترحال بنو هلال جعلت من الخيمة «بيت الشعر» مساكن متنقلة لهم سكنوها حيث ما حلّوا بحثا عن المراعي ولعل منطلق صناعة «الفليج» يعود الى تاريخ حلولهم بالجهة. (الفليج) يستخدم فيه وبر الإبل ويستعمل الفليج لصناعة الخيام.. ويمكن ان تتبلور خصوصية سيدي بوزيد الثقافية بأكثر وضوح فيما تركه لنا الأجداد الذين هم أباء عرش بنو همام في نمط العيش بأشكاله المتعددة والمعتمدة بالأساس على استغلال الارض في الزراعة والغراسة وتربية الماشية وعلى مستوى الصناعات اليدوية والحرفية نجد صناعة الطين كالأواني المستعملة في الحياة اليومية وصناعة الصوف اذ يقع تحويله الى مادة قابلة للنسيج وهذه العملية تكون مصحوبة بعادة احتفالية تسمى «التويزة» وتستعمل فيها وسائل تقليدية كالمشط والمغزل. كما نجد حرفة تحويل جلد الماعز والغنم الى الشكوة والسماط والمدهنة، ويحول حليبها الى ألبان وزبدة ودهان وجبنة... كما تنشط حرفة النسيج بالجهة فتصنع البطانية والكليم والبرنس والقاشبية ويقع صبغ الصوف بالطريقة التقليدية. الى ذلك تحول بعض المنتجات الفلاحية الى أدوات تستعمل في تجهيز البيوت كالحلفاء فيشكل منها «الروني» لتخزين الحبوب. كما تصنع منها الطرباقة وهي حذاء تقليدي... مع العلم وأن الحلفاء حاليا دخلت في الدورة الاقتصادية بالجهة كما ان بعض هذه المنتجات الفلاحية يتم تحويلها الى مواد غذائية يعتمد في إعدادها على ما تركه لنا الأجداد كتجفيف الشريحة (من الغلال) والكباب (التين) وإعداد بعض المأكولات التي تختص بها سيدي بوزيد كالغرايف كما نجد من الحرف المحدثة والمعتمدة على شجرة الزيتون الموجودة بكثافة في الجهة صناعة خشب الزيتون. وتميّز الجهة بلباس تقليدي نسائي يحمل خاصية الانتقال من سواد الملحفة الى بياض ما يسمى بالذراية التي توضع على الرأس فتحيط المرأة بهالة من الوقار وهي متجانسة في لونها مع السفيفة التي تتوسط الملحفة ويوشح هذا اللباس بألوان زاهية خلال الأفراح. أما على مستوى المظاهر الاحتفالية فيبقى العرس التقليدي في هذه الربوع من أبرز المظاهر الاحتفالية التي حافظ عليها الأهالي. نوفل يوسف عن نشرية «فضاءات ثقافية» للمركب الثقافي ببئر الحفي