يعد الشيخ عمر عبادة من الشخصيات التي دخلت التاريخ بفضل ما قدمته في عصرها من خصال وما تركته من مآثر حتى تحول الى ولي صالح وأقيم له ضريح يسمى مقام سيدي عمر عبادة كما ترك عدة بصمات فنية ومآثر وكرامات. اسمه الكامل عمر بن سالم من أولاد عيار وهي قبيلة من مكثر التابعة لولاية سليانة حاليا. نشأ بالقيروان وانتسب لصناعة الحدادة، ثم قرّبه إليه المشير أحمد باشا الحسيني لاعتقاد كان له فيه فوصله بالهبات التي كان ينفقها على ضعاف الحال والأرامل والأيتام. ثم أمده بما يكفي من المال لبناء هذه الزاوية فابتدأ فيها سنة1261ه/1844م. وهي من أكبر معالم القيروان الراجعة إلى تلك الفترة وتشتمل على ست قباب وتكتسح مساحة تربو عن 1750م2، وهي على اتساعها تضيق بأعماله الصناعية من الحديد والخشب كالألواح ذات الكتابات المحفورة والصناديق والشمعدانات والسيوف وأغمادها، وبها اشتهر المكان فسمي «بجامع السيوف». غير أن هذه المصنوعات لا تصلح بتاتا لأي استعمال لأنها ضخمة للغاية... كتلك المراسي العملاقة التي قيل إنها معدة لحماية القيروان وإبقائها ملتحمة بالبلاد، وكتلك السيوف الهائلة والمهارس البرنزية الثقيلة جدا وذلك الغليون الضخم... كل هذه القطع عليها كتابات عميقة النقش تروي قصة حياة صاحبها. ذلك أن هذا الشخص متفرد هو الآخر: فقد كان «غريب الأطوار، غامضا، يمتاز بقوة شخصيته العجيبة وصلابة إيمانه وشعوره المفرط بقدرته وعظمته... وقد ظل دائما مقدّسا وفي نفس الوقت مهاب الجانب». كرامات وجميعها صنعت في مقاسات ضخمة تكشف عن عالم اللامعقول الذي كان يعيش فيه الرجل، حيث ينسب له أبناء عصره كثيرا من الغرائب والكرامات. ومن مناقبه المشهورة شفاعته المقبولة لدى أصحاب السلطة والأخبار عن الحدثان، كما نستشف ذلك من خلال كتاباته المعروضة والتي تمزج بين الهذيان اللفظي والبت في قضايا عصره والتطلع إلى مفاتيح الغيب وسرد الآيات القرآنية إلى جانب ما توفره من معلومات حول شخصيته وأصوله وأوجه من حياته. إلا أنه ترك لنا أعظم مجموعة معبرة عن الصناعات والفنون التي كانت سائدة بمدينة القيروان في مطلع القرن التاسع عشر. كان سيدي عمر عباده حدادا برتبة «معلم»، وكان حماسه الصوفي الفياض محيرا في تلك الفترة من الخمول والانحطاط التي شهدتها البلاد قبيل الحملة الاستعمارية الفرنسية (أفريل - ماي 1881). ولقد تسنى له أن يعبر عن مخاوفه وهلوساته بواسطة مصنوعاته الغريبة والخارقة. تنمية مندمجة وتوفي الشيخ عمر عبادة بمنزله المحاذي للزاوية سنة 1272ه/1855م، ودفن بخلوته التي تمثل حاليا القاعة الثانية من متحف الفنون والصناعات التقليديّة الذي أقيم سنة 1982 ويضم بعض من صناعته الفنية من حديد وخشب وهي تتميز بكبر حجمها. ويتمتع المقام هذه الأيام بعناية كبيرة في إطار مشروع للتنمية المندمجة في شراكة بين جمعية صيانة المدينة وإيطاليا للنهوض بالارباض والأحياء المحيطة بالمقام وترميم الزوايا والمنازل ورفع الفضلات وإعادة استغلال فضاء سيدي عمر عبادة. وتبلغ تكلفة المشروع نحو مليون و200 ألف أورو وقطع المشروع أشواطا مهمة في انتظار استكمال البرامج المتبقية. ٭ ناجح الزغدودي