حزم السيد باراك أوباما رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية أمره فالانتخابات النصفية للكونغرس على الأبواب ( نوفمبر) وكل استطلاعات الرأي تقول إن حزبه الديمقراطي سوف يفقد أغلبيته في مجلس النواب وتنقص أغلبيته في مجلس الشيوخ. إذن لا بد من تحرك سريع.. فها هو يسبح في خليج المكسيك مع زوجته ميشال ليقتنع الناس أن بحر النفط العائم فوق المكان شفط بفضل حزمه وعزمه.. وها هو يعد إخراجا منقطع النظير لتحقيق «وعده» للأمريكيين ب«سحب» أبنائهم من أزقة الموت في العراق ويرسل إلى هناك نائبه شخصيا ومعه وزير الدفاع ليشاركوا الباقين في الاستماع إليه وهو يعلن من مكتبه البيضاوي (الذي إن خطب فيه فذلك يعني أن الأمر جلل) إن المهمة أنجزت في العراق وان الخمسين ألف جندي الذين سيبقون هناك قد يصيبهم السام الشديد لأنهم لن يستخدموا السلاح في القتال (اشتركوا في صد هجوم للمقاومة في بغداد يوم الأحد الماضي) وان العراق مر من مرحلة «الحرية» التي أعقبت «الصدمة والترويع» (عنوان الاحتلال) إلى مرحلة «الفجر الجديد» وان القوة لدى حكام المنطقة الخضراء تكفي لحفظ الأمن (حتى أن الصواريخ كانت تتساقط حول مكان الحفل وبالقرب من سفارة واشنطن كما أنهم مازالوا يدخلون ويخرجون من العراق تحت جنح الظلام وحجب الكتمان)..ولم يشر السيد أوباما طبعا إلى أن موعد «الانسحاب» و«الاتفاقية الأمنية» وكل ما جرى تنفيذه تقريبا تقرر منذ الراحل بوش وعصابته بعدما أدرك أن دخول العراق كارثة مثلما دون ذلك صديقه وحليفه الانقليزي بلير في مذكراته المنشورة حديثا والتي تطوع كثير من القراء لتحويلها من أدراج كتب المذكرات في المكتبات إلى أدراج كتب الجريمة.. ولا بد من «انجاز» آخر كان قد وعد به الناخب أيضا وهو إحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس أن يتقي اليهود ربهم ويكتفوا بثلاثة أرباع فلسطين ويبقوا الثلث رقاعا مشتتة لشجعان السلام.. وإحقاقا للحق تحرك الرجل وضغط على نتنياهو لكن سرعان ما انقلب الضغط عليه فنصح مبعوثه «ساحر السلام ميشال «ان يحول المفاوضات إلى «غير مباشرة» لمدة أربعة أشهر على الأقل بعدما اهترأ حذاء الرجل وهو يستجدي ذرة تنازل من اسرائيل.. ولكن وفجأة ودون انتظار نهاية الشهور الأربعة ولسبب لا يعرفه إلا أوباما ومستشاروه قرر ان يدعو الجميع للحضور الى واشنطن ودونما إبطاء.. وها هو حفل آخر اعد له ما يلزم من إخراج هوليوودي بديع مع حضور شهود ذاقوا «حلاوة» السلام مع الصهاينة.. والحفل للسيد أوباما دون سواه.. ولدواعي الاخراج تقرر ان تتولى «الرباعية» توجيه الدعوة رسميا للقاء.. تعقبها وزيرة الخارجية الامريكية لتحديد المكان.. يلي ذلك مباركات من «شجعان السلام» ثم قبول وترحيب من اللاعبين الأساسيين: السلطة في رام الله والحكومة في تل ابيب.. والرباعية تعني امريكا وروسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة لكن لا رئيس هذه الرباعية الصديق الانقليزي توني بليرولا الحليفة اوروبا دعيت حتى ان وزير الخارجية الفرنسي لم يتردد في توجيه اللوم بلغة أهل الكياسة والسياسة حيث لاحظ ان اوروبا لا يتذكرونها الا عندما يتعلق الأمر بدفع المال.. المهم تم الحفل كاحسن ما يرام.. لكن ما لفت انتباه الجميع ان السيدة وزيرة الخارجية الامريكية قررت ان يجتمع السيد محمود عباس مع نتنياهو كل نصف شهر وأمامهما عام يجب ان يتم فيه الاتفاق على كل شيء أي انه قبل موعد الانتخابات الرئاسية القادمة في امريكا بوقت معقول ومطلوب يجب ان يوقع الطرفان وثيقة السلام.. نعم.. السلام في غضون عام وإلا فعلى القضية السلام هكذا أكدت لنا، بل لهم، السيدة هيلاري كلينتون.. عام يجري فيه اقتسام القدس وباراك قال ان اسرائيل مستعدة لإعطاء الفلسطينيين موطئ قدم في مدينتهم.. عام ينظف فيه اللاجئون مفاتيح بيوتهم المغتصبة ليعودوا إليها غانمين ظافرين او يقبلوا ثمنها دولارات وأوروات... عام يزال فيه الجدار ويمحى عن الضفة ما لحقها من عار ودمار الخ.. كل ما أمضى فيه السابقون سنوات وهم يفاوضون ويعقدون المؤتمرات ويبرمون الاتفاقات التي تجبّ الاتفاقات(قبل المواعيد الانتخابية الامريكية وبعدها وقبل كل عدوان امريكي على الوطن العربي) كل ذلك يجب ان تحل مشاكله.. وأمام عباس ونتنياهو ست وعشرون جلسة نصف شهرية (بحساب السنة الشمسية طبعا التي تحوي اثنين وخمسين أسبوعا).. الطرف الفلسطيني ومن دون ذكر أسماء هدد بقطع المفاوضات لو عاد الصهاينة الى توسيع المستوطنات التي زعموا انهم جمدوها حتى 26 سبتمبر.. والجانب الصهيوني قال ان المستوطنات لا تعيق التفاوض بل إن على الطرف الثاني ان يعترف بان اسرائيل دولة لليهود لا يشاركهم فيها احد ولها ان توفر كل ما تراه ضروريا لسلامتها وهو طبعا ما «تفهمه»جيدا السيد أوباما.. ما لفت الانتباه ان أول موعد لوضع رزنامة التفاوض طلب الجانب الفلسطيني إلغاءه والحجة مثلما قيل هي ان يكون اللقاء سريا.. ولا احد يعلم لماذا الحرص على السرية ما دامت النتائج سوف تعرف أم هناك إحساس بمعصية تتطلب الستر.. انطلقت إذن المسيرة الأوباماوية.. ولكن وحتى اذا ما نجح الفريق الديمقراطي في استثمار هذا الذي حصل لتحسين وضعه في صناديق الاقتراع فانه لا احد يصدق انه بالامكان تحقيق السلام في عام بل وحتى في جيل كامل مثلما قال وزير خارجية العدو لان اليهود غير قابلين بأقل من ارض الميعاد وليسوا مستعدين للإصغاء لأحد مثلما قال مفوض التجارة الأوروبي( الغريب انه لم يجبر على الاستقالة أسوة بكل من انتقد اسرائيل).. والفلسطينيون لن يقبلوا بأقل مما بقي لهم قبل احتلال عام 67.. السلام في عام محض أوهام.. وأحلام لن يحققها الا التنازل الكامل عن كل ما تبقى للفلسطينيين في أرضهم وهو امر لا نشك في ان سلطة رام الله لن تقبله ولن تقدر عليه والاهم ان الجماهير الفلسطينية لن ترضاه وهي قادرة على الصبر ستين سنة أخرى ولن ترمي بمفاتيح بيوتها المغصوبة في حديقة المزايدات والمساومات وسوق النخاسة السياسية أينما كان زمانه و مكانه وعنوانه.