لا يكاد يمرّ موسم واحد دون أن يتحفنا أشقاؤنا في الجزائر الحبيبة بمفاجآت فنية من العيار الثقيل.. قد لا يصدقها المتلقي.. رغم تعوده على سماع أخبار تتعلق ببعض الأغاني التي ظلّت الى وقت ما مجهولة المصدر وحقق بها مردّدوها نجاحات معتبرة بل وفتحت شهرتهم.. لا سيما تلك المأخوذة من التراث.. وبات كل واحد يدّعي ملكيتها وصاحب الفضل في إخراجها من دهاليز العتمة بعد أن طوّرها وهذّبها.. (...). فبعد أغنية «جاري يا حمودة» والجدل الكبير الذي خلفته والحبر الكثير الذي سال من أجلها حين تمّ الكشف عن حقيقتها وأصلها من قبل الفنان الجزائري أحمد الجلولي الذي اعتبرها من تراث بلده الأصيل وأن أحمد حمزة «ما عندو فيها لا يبيع ولا ما يشري» ليزيد هذا الاقتناع وتتأكد أصلية الأغنية المذكورة في الاعتراف الذي جاء على لسان الفنانة صفوة بأن «جاري يا حمودة» قد تكون جزائرية! وأن قاسم كافي هو من أتى بها.. ثم جاءت قضية «صالح يا صالح» التي ثبت بالدليل القاطع أنها تراث جزائري ومسجلة بخزينة الاذاعة الوطنية الجزائرية منذ سنة 1967 بصوت المطربة دليلة مثلما أشارت إليه الفنانة المغتربة «حورية عيشي» التي هاجمت قاسم كافي بشدة وعنف وقالت في شأنه كلاما مرّا.. وتساءلت حورية وهي تتحدث الى المنشطة الزميلة فاطمة ولد خصال لماذا التراث الجزائري هو المستهدف دائما من طرف الأشقاء في تونس؟! ولماذا قاسم كافي هو دوما المتهم الرئيسي؟.. ألا تكفه «جاري يا حمودة» التي أهداها الى زميله أحمد حمزة.. حورية أضافت «هناك أخبار كثيرة تصلني من تونس حول ما يجري في ساحتها الفنية، وأنها ستظل تشهّر بكل من طالت يداه التراث الجزائري».. آخر هذه الاكتشافات المذهلة ما أمتعتنا بها القناة الأولى للإذاعة الجزائرية في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة الماضي بتسجيل نادر يعود الى منتصف الخمسينات لأغنية «أنا التارڤي» التي اشتهر بها الفنان التونسي عبد السلام النقاطي إذ لا يتردّد في أي محفل يحضر فيه أو منوعة تلفزية في تأدية هذه الأغنية في مفتحات السهرة. وكنا نعتقد والبعض الآخر من المستمعين أن «أنا التارڤي» هي تونسية لحما ودما.. وصاحبها هو بلا شك سي عبد السلام النڤاطي ابن القيروان.. لكن أجمع الحاضرون في منوعة الزميل بوجمعة الموسيقية والفنية بأن الأغنية المذكورة هي تراث جزائري أصيل وهي معروفة منذ عقود طويلة مستدلين بوجود قبيلة «التوارق» التي تقطن المثلث الصحراوي بين الجزائر.. ومالي.. وليبيا.. حيث مازالت تعيش حالة من التشتت في الهوية ويبحث سكانها عن جذورهم والى أي بلد ينتمون.. وهو ما يؤكده مطلع الأغنية «أنا التارڤي.. ولد التارڤي.. قطاع طريق والصحراء لي» إلا أن النڤاطي غيّر في كلماتها حيث حلت «أنا الغزيل» محل «قطاع طريق» من جهتها أفادت حفيدة الفنان المرحوم الهاشمي الڤرواشي أن الأغنية جزائرية ولا أحد يعرف كاتبها الأصلي وواقع موسيقاها.. وهو ما يعني أنها تراث قديم وقديم جدا وقد أداها وسجلها الڤرواشي في فترة الستينات وأمكن لنا الاستماع الى هذا التسجيل «المتقطع» بإحدى الحصص الاذاعية. والسؤال هل كان عبد السلام النڤاطي على علم بحقيقة «أنا التارڤي»؟ أم هو ادّعاء من الاخوة الجزائريين؟ أم هي مجرد إشاعة لا غير؟ لكن هل نكذب أنفسنا ونحن استمعنا مرات لهذه الأغنية عبر أثير إذاعة الجزائر؟