يتجه الوضع السياسي في لبنان الى العودة الى مربع عام 2005: مربع المشاحنات والاتهامات والانقسامات والاصطفاف السياسي، بما ينذر بأزمة جديدة مفتوحة على كل الاحتمالات. وبعد الانفراج النسبي للأزمة السياسية اللبنانية وانطلاق ماراطون المصالحة ومراجعة جزئية لحصيلة سنوات الخصام والانقسام، توقع كثيرون ان يلتئم الجرح ويعود لبنان الى عهد التوافق والوئام السياسي، لكن الأمر تحوّل في نهايته الى عكس ما كان متوقعا حين شنّ اللواء الركن جميل السيد المدير السابق للأمن العام في لبنان هجوما عنيفا على رئيس الحكومة وأحد أقطاب «قوى 14 آذار» سعد الدين الحريري على خلفية ملف شهود الزور في ملف اغتيال رفيق الحريري. وأخذت تصريحات السيد على أنها تهديد صريح لرئيس الحكومة ولأمن لبنان، مما استوجب من النائب العام التمييزي سعيد ميرزا المحسوب على «قوى 14 آذار» اصدار مذكرة جلب بحق اللواء الركن جميل السيد، ليدخل «حزب ا&» وقوى المعارضة على خط المشاحنات والاتهامات في موقع اعتبره البعض بداية تصعيد من الفريقين. ومعلوم أن اللواء الركن جميل السيد كان أحد الضباط الأربعة الذين أودعوا السجن لمدة 4 سنوات لشبهة التورط في اغتيال رفيق الحريري، وكان نجل الراحل (أي رئيس الحكومة الحالي سعد الحريري) من أبرز من وقف وراء اعتقال الضباط الاربعة (مرحلة جديدة). ومنذ الافراج عن السيد وباقي الضباط بدأت مرحلة جديدة من التوتر في نسق تصاعدي، الى حدود الأيام القليلة الماضية حيث ارتفع منسوب التوتر واتسعت دائرة «العاصفة» السياسية لتعيد الى الأذهان أجواء عام 2005 وما تبعها من سنوات عجاف كادت ان تدخل لبنان في حرب أهلية. والوضع بما هو عليه الآن يكشف بوضوح هشاشة المصالحة بين الغالبية النيابية الحاكمة وقوى المعارضة، فأجواء الودّ والزيارات المتبادلة بين أبرز شخصيات الفريقين لم تزل رواسب خلافات الماضي. اللواء الركن جميل السيد لا يزال متمسكا بحق ملاحقة من تسببوا في ايداعه السجن ظلما، محملا رئيس الحكومة المسؤولية عن تضليل العدالة والمسؤولية عن الوضع السياسي والأمني خلال السنوات التي أعقبت اغتيال الحريري الأب، ورئيس الحكومة إلتزم الصمت وآثر عدم الدخول في السجالات الدائرة، لكن المؤسسات الاعلامية (قناة المستقبل وجريدة المستقبل) المملوكة له ووسائل الاعلام التابعة لقوى «14 آذار» أخذت الأمر نيابة عنه في حملة منظمة على جميل السيد وعلى قوى المعارضة، حملة روّجت لما أسمته ب «انقلاب» يجري اعداده للاطاحة بالحكومة. قطرة أفاضت الكأس مطالبة جميل السيد بمحاكمة النائب العام التمييزي سعيد ميرزا منذ فترة، ورفعه دعاوى قضائية على شخصيات مسؤولة في الحكومة اللبنانية لدى القضاء الفرنسي، لم تثر ضجة بمثل الضجة الحالية، حين اتهم السيد رئيس الحكومة سعد الحريري وفريقه بالوقوف وراء شهود الزور، اتهام إن صح وثبت قد يفتح ملفات اكثر تعقيدا من ملف اغتيال الحريري الأب نفسه، لأن القضية اصبحت قضية امن بلد بأكمله وقضية سلم أهلي وقضية توريط دولة شقيقة ظلما هي سوريا، قضية سببت أذى كبيرا لكل من لبنان وسوريا. صحيح ان في اتهامات السيد بعدا شخصيا أو حقا شخصيا، لكن حق كل اللبنانيين وحق سوريا أكبر من الحق الشخصي او تصفية لحسابات شخصية. وفي المقابل لا يجد فريق 14 آذار وعلى رأسه سعد الدين الحريري في اتهامات السيد إلا «أكاذيب» وذر رماد على العيون للالتفاف على قضايا داخلية ولتعكير اجواء المصالحة الوطنية وتهديد الأمن العام. ومجمل القول ان قدر لبنان يبدو وكأنه استمرار للدوران في حلقة مفرغة أو انتقال من مربع خلافات الى مربع آخر للخلافات ذاتها ولكن تحت عناوين ومسميات أخرى