كل العلامات تشير الى أن منطقة الشرق الأوسط ذاهبة صوب فوضى جديدة وليس صوب أمل سلام. فتأسيسا على ما كمن في الواقع، وما انطبع في النفوس، وما تأسس في مصالح قوية ومعقّدة وليس على موقف إيديولوجي جاهز فإن السلام أضحى مستحيلا مع اسرائيل، ذلك أن كل ما يتغير فيها يتغيّر نحو الأسوأ، وكل ما يحدث حولها يعطيها التعلة والذرائع لبسط خوفها والتشديد على رهبتها من أن تصاب في مقتل أو ان تذهب نحو حتفها. ذلك ان اسرائيل هي بالأساس أو هكذا هي أرادت أن تكون قضية وجود لكائن خائف ولا يثق في أحد ولدولة مهددة لا يهمها الا أمنها. وقد ذهبت في هذا المنطق بعيدا فأصبحت اضافة الى حاجتها التقنية الدائمة لوسائل ضمان الأمن تحتاج أيضا الى كميات جغرافية هي في الأصل ملك للآخرين، فيها تنشر عيونها وتقيم قواعدها وتراقب ما يمكن ان يتسرب منها من خطر ونوازل. إن اسرائيل قامت على هذا المنطق، وكلّما اتسعت كأرض كلما احتاجت الى أرض أخرى تكون درعا للمتسع من ترابها، وكلما تمططت كجغرافيا كلما حدّثها خوفها بمزيد التمدد. لكنه خوف ممزوج بطمع متأصل، تذكّيه أساطير دينية قديمة يشعلها بدورها كل هذا النجاح الخيالي الذي حققته خلال الستين سنة الاخيرة. فلو كانت إرادة ا& على خلاف هذا، ولو كانت النبوءات القديمة هلوسات لما حققت كل هذا التمكين ولما أصبحت على هذه القوة القاهرة التي طوّعت أمما بحالها، ودجّنت شعوبا من فرط ما انهزمت ومن سهولة ما خسرت، حار العقل وسلّمت النفوس وانقطعت الحركة. لذلك كلّه فإن اسرائيل لن تجنح مطلقا الى السلام ولن ترضى أبدا بالحلول الا متى اقتنعت ان في الآخرين قوة وأن لديها ضعفا وإلاّ متى أصابها شك في معتقدات قديمة، يقول الواقع الحالي لكل اسرائيلي إنها عين الحقيقة.