.. هل أن الثقافة الاجتماعية ضرورية لدى الفنان التونسي..؟ لماذا تفتقد بعض الأسماء الفنية الى أسلوب الحوار السليم..؟ هو أن التعليم الأكاديمي أساسي في تكوين الثقافة الاجتماعية؟ أو أن هناك أساليب أخرى لاكتسابها؟ هذه الاستفهامات مردها أزمة التكوين الثقافي لدى أغلبية المطربين التونسيين باستثناء البعض منهم وقد تأكدنا من حدة هذه الأزمة في متابعتنا لهؤلاء في الحوارات الاذاعية والتلفزية وفي علاقتهم بالإعلاميين بصفة عامة وهو ما جعلنا نتوقف عند هذا الاشكال مع مجموعة من الفنانين في محاولة منهم الاجابة عن أسئلة «الشروق» التي تم طرحها من قبل. ... جمل مبعثرة.. تعابير مشوشة.. كلمات مسقطة.. يبتلع ريقه أحيانا ويلوك لسانه حينا آخر.. تخال نفسك تجالس تلميذا في مرحلة أولى.. مازال الخجل مسيطرا عليه والرهبة متمكنة منه والمعرفة مازالت غريبة عنه.. لكن في حقيقة الأمر أنت بصدد محاورة مطرب تونسي مازال لم يتعلّم بعد معاني الحروف الأبجدية.. للأسف تلك هي أزمة المطرب التونسي ونقول «مطرب» هنا حتى لا نعمم المسألة على كل الفنانين. ظاهرة في تزايد إن المسألة باتت تلوّح بالخطر لأن أزمة الثقافة الاجتماعية لدى المطرب التونسي تحولت الى ظاهرة تتزايد من يوم الى آخر. فكيف لمطرب يطلق عليه لقب فنان بما يحصل من معان لا يقوى على تركيب جملة سليمة متكوّنة من فعل وفاعل ومفعول به فتضطرب عنده المعاني وتتحول الزوجة الى «جوزة» و«الزواج» الى «جواز» ولا يقصد هنا جواز سفر وانما ذاك الرابط الاجتماعي... وتنقلب التراكيب العربية الى جمل فرنسية مبعثرة... هؤلاء المطربون الذين شاهدنا هم في البرامج التلفزية والاذاعية يفتقرون الى أبسط أساليب الحوار الراقي بل انهم يستنجدون أحيانا بكلمات نخجل عند سماعها في الشارع التونسي... وإن حاولوا الدفاع عن موقف ما يظهرون بتقاسيم وجه ترعب المشاهد وتثير ذهوله فيخال نفسه بصدد مشاهدة خصومة في أحد الأزقة. ارتباط بنمط تربوي وحول هذه الظاهرة الخطيرة التي قد تعطي صورة مخجلة عن بعض المطربين التونسيين في الداخل او الخارج. تقول الفنانة التونسية سنية مبارك (أستاذة جامعية) «الثقافة الاجتماعية مرتبطة بنمط تربوي وبالحياة الاجتماعية ككل...» وتضيف سنية مبارك ان هذه الثقافة ليست مرتبطة بالتعليم الأكاديمي رغم أهميته وانما بالعلاقات مع أهل الميدان وأهل الصحافة. وتؤكد سنية مبارك على أهمية التربية الثقافية التي تبدأ من الأسرة ثم المدرسة ثم المعهد والجامعة، مضيفة ان التربية الأكاديمية تخوّل للفنان بناء مشروع واضح حتى لا يتحول الى ضحية هذا الوسط الفني فينساق مع جل التيارات دون ان يختار لنفسه برنامجا واضحا. الفنانة سنية مبارك تقول ايضا ان هنا من الفنانين وخاصة من الجيل السابق لم يتعلموا أكاديميا لكنهم استطاعوا ان يصقلوا موهبتهم وطوّروا ثقافتهم بالعلاقات والصداقات، لأن الثقافة الاجتماعية وحسب سنية مبارك هي دائمة التطور ولا يمكن حصرها. والبعد الأكاديمي يزيد في صقلها. ... تشريف وتكليف متحصل على مجموعة من الشهائد وأستاذ جامعي هو عازف الكمنجة الفنان أنيس القليبي يقول ان كلمة فنان تطلق على أناس يملكون درجة من الثقافة والفن. والفنان حسب رأيه هو صوت نفسه وصوت المجموعة البشرية التي يعيش في وسطها. ويضيف عازف الكمنجة ان الثقافة الاجتماعية لابد منها بالنسبة الى الفنان داخل وطنه وخاصة خارجه لأنه سفير بلاده ومن واجبه اعطاء صورة جيدة عنه لذلك يؤكد أنيس القليبي على ضرورة اطلاع الفنان بكل العوامل المحيطة به سواء سياسية أو اجتماعية او ثقافية حتى يرتقي بأسلوب حواره في وسائل الاعلام... ويدعم أستاذ الموسيقى قوله بالمثل الصيني «اذا أردت ان تتعرّف عن حضارة شعب فاستمع الى موسيقاه» فلقب فنان يقول أنيس القليبي هو تشريف وتكليف في آن واحد. ضرورية... لكن! أما الفنان حسن الدهماني (مستوى تعليمي سابعة ثانوي) يقول إن الثقافة الاجتماعية ضرورية مثل الثقافة السياسية وغيرها خاصة وان الفنان هو مرآة مجتمعه، وحسب حسن الدهماني فإن الثقافة الاجتماعية لا تكتسب بالتعليم الأكاديمي، وإنما بالعلاقات الاجتماعية فالفنان هو المطالب بتثقيف ذاته وتطوير زاده المعرفي. وخير دليل على ذلك يقول الدهماني، الفنانة أم كلثوم التي لم تتعلم في المدارس ووصلت الى مستوى راق من العلم والمعرفة...