منذ يومين قال الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون ان بلاده تفقد نفوذها ك«دولة عظمى»... كان ذلك في كلمة ألقاها كلينتون في منتدى اقتصادي عقد بمدينة «يالطا»... وعزا كلينتون هذه الوضعية المتقهقرة لبلاده الى العامل الاقتصادي... حيث رأى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تفقد نفوذها كدولة عظمى بسبب النمو الاقتصادي السريع لدول كالصين والهند... والحقيقة أن الولاياتالمتحدة لم تفقد نفوذها فقط، بل فقدت صورتها التي حاول أن يقدّمها بها «جورج واشنطن» و«أبراهام لينكولن» و«ويلسون» صاحب ال13 نقطة، حول حق الشعوب في تقرير مصيرها... كانت هذه القيم التي لفّت الفعل السياسي الأمريكي سائدة آخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين... وبدون أن نسقط في أسلوب «الأخذ بالظن» تجاه السياسة الأمريكية، فإننا ومن خلال رصد بسيط لتدخل واشنطن في القضية الفلسطينية، وهي قضية عادلة بلا أدنى شك، نلاحظ أنها كقوة عظمى، تصرّفت من منظار امبريالي واستعماري منذ انطلقت القضية الفلسطينية الى يوم الناس هذا... صحيح ان الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تشارك «زمرة» الاستعماريين، في تدبير الهجمة الصهيونية على فلسطين عندما تجالس كل من «سايكس» و«بيكو» (سنة 1916) خلسة وأمضيا اتفاقية تحمل اسميهما وظلت سرية، كما لم تشارك واشنطن في تحرير إعلان «بلفور (1917)، لكن مقتضيات الهيمنة والتوسع الاستعماري الذي يبدأ بالجانب الاقتصادي كما يحلو للسيد كلينتون الباكي على منصب بلاده وموقعها وسط سرعة نمو في الصين والهند، هي التي جعلت واشنطن في عداد الدول التوسعية فتخلت بذلك عن مبادئ «ويلسون» وشعارات «جورج واشنطن» وحكمة «لينكولن»... الولاياتالمتحدة وعلى هذه الصورة التي جعلت منها قوة تلهث وراء الهيمنة والنفوذ هي التي فقدت صورتها التي صنعها لها من ذكرنا من زعمائها ورؤسائها... إذ أضحت واشنطن مثالا لإرهاب الدولة وعودة الاستعمار القديم، ولنا في ذلك مثال في العراق وأفغانستان... يحق لبيل كلينتون أن يتباكى على وضعية بلاده الاقتصادية بين الأمم، لكن ما هو أحقّ به فعله أن ينظر الى صورة الولاياتالمتحدة كيف أضحت عبر العالم... قوة غاشمة تقتل وتسجن الشعوب وتأسر بلدانا برمّتها... فعن أي نفوذ اقتصادي يتحدث كلينتون وعن أي «مجد» للهيمنة يتحدّث... والحال أن القوة والاستقواء والهيمنة... ليس لها أمجاد... تذكر... صورة أمريكا هي التي تتقهقر... وليس نفوذها أو مكانتها الاقتصادية فقط.