على سرير قسم العظام بمستشفى الأغالبة بالقيروان ترقد زينة ممددة لا تقوى على تحريك أي من أطرافها سوى لسانها وعينها السليمة بينما اختفت يداها ورجلاها في لفافة الضمادات وتكسو جسمها ووجهها جروح وخدوش تحتاج الى زمن لتتعافى منها. وفي أحد المنازل جلست والدتها العجوز الى الأرض تنتظر ابنتها لتحمل اليها قوتها وأدويتها... هذا هو حال العجوز زهرة (80 سنة) وابنتها زينة الطيبي (56 عاما) التي صدمتها شاحنة خفيفة أثناء توجهها لطلب الرزق في القيروان. الحادثة جدت مؤخرا أثناء توجه زينة الى موقع انتصابها على احد الأرصفة اين تعرض بعض الأدباش القديمة والتي تقتات منها وتكفل والدتها. وذكر شهود عيان ان زينة كانت تمشي على الرصيف ومع ذلك صعدت إليها شاحنة خفيفة ودهستها ثم ألصقتها بأحد الجدران. ظن من شاهد الحادث ان المتضررة لن تنجو لكنها نجت من موت محقق وخرجت بجروح وإصابات خطيرة على كامل جسمها كما تعرضت أطرافها الى كسور وجروح ألزمتها الإقامة في المستشفى تحت عناية فائقة ومتواصلة. اما سائق الشاحنة (في العقد الثالث) فقد توجه الى احد المراكز الأمنية للإعلام عن الحادث. وقد زرنا المتضررة زينة في قسم جراحة العظام بمستشفى الأغالبة بالقيروان حيث وجدنا احد الممرضين بصدد وضع حقنة المصل في ساقها اليمنى التي كستها الضمادات مثل بقية أطرافها. فوق الرصيف حدثتنا زينة عن تفاصيل الحادث فأكدت انها خرجت من منزلها تدفع عربة تحمل أدباشا متجهة الى موقع انتصابها على احد الأرصفة. ونظرا لمرضها المزمن (الروماتيزم) فانها كانت تشكو من صعوبة في الحركة. وتستعين بشكل يومي بمن يساعدها ويرفع العربة الى الرصيف. وذكرت ان احد الأطفال تولى صباح يوم الحادث رفع العربة بينما واصلت هي طريقها نحو موقع انتصابها. كانت مطمئنة خالية الذهن نظرا لارتفاع الرصيف المخصص للمترجلين. لكنها فوجئت بشاحنة خفيفة تصعد فوق الرصيف وتتجه نحوها كأنها على موعد مسبق معها ونظرا لثقل حركتها فلم تتمكن من الهرب فدهستها الشاحنة وألصقتها على احد الجدران فلم تفق الا وهي في غرفة الإنعاش محاطة بالإطارات والآلات الطبية. لتكتشف بعد ذلك ان نجاتها من الموت كلفتها إصابات كثيرة جلها خطيرة ووجدت نفسها ملفوفة في ضمادات تخفي آلاما ثقيلة. «لقد كتب لي عمر جديد... الحمد لله على كل حال»، هكذا تعبر زينة عن فرحتها بنجاتها من الموت. وتقول أنها تشعر بإصابات كبيرة في جسمها ولم يعد يتحرك منها سوى اللسان والعين. لكنها عين واحدة. لان زينة تعرضت منذ طفولتها الى إصابة على مستوى عينها اليسرى. وينتظر ان تتواصل إقامة زينة بالمستشفى حسب تأكيد احد الممرضين الذي كان يباشر حالتها. قسوة الحياة غريب حال زينة بحسب رواياتها. لم يكن الحادث سوى احد فصول حياتها المرهقة فقد قضت طفولتها بعيدا عن والدتها الأصلية لتجد نفسها في حضن زوجة أبيها. ومع تقدم «والدتها» الجديدة في السن أصبحت هي معيلتها الوحيدة بعد وفاة والدها فهي التي تنفق عليها من عملها في التجارة على ذلك الرصيف الذي كادت تهلك فيه. وبينت انها قانعة بهذه التجارة ذات المردود المتواضع لانها تعفيها من التسول. زينة اكدت انها اتخذت قرارا بالعزوف عن الزواج مقابل تعلقها بمنزل والديها الذي أكدت عدم رغبتها في مغادرته علاوة على ان بعض الجوانب النفسية والبدنية هي التي دفعتها الى قرار الامتناع عن الزواج وأكدت مازحة انه لم يتقدم لخطبتها احد لأنها لم تكن ذات حسن وجمال. «لن أعود الى العربة ولا الى ذلك الرصيف الذي كدت اهلك فيه» تقول زينة وهي تخفي وجهها بيدين مضمدتين. وتضيف أنها أصبحت تتمنى ان تتعافى وتتمكن من الجلوس على الأقل وليس الوقوف والمشي. وفي المقابل أصبحت العجوز زهرة قلقة حيال مصيرها وقوتها بعد تعرض زينة الى الحادث خاصة وان البضاعة التي تجتهد في بيعها تحصلت عليها عبر الاقتراض عسى توفر منها مليمات الخبز والدواء. تغطية اجتماعية وذكرت زينة أنها تتمتع بتغطية اجتماعية حيث تم تمكينها من دفتر علاج مجاني ومنحة عائلية كل ثلاثة اشهر وشكرت الجهات المعنية على منحها إياها لكنها أكدت أنها لا تكفي لتغطية مصاريف الدواء وفواتير الكهرباء والماء التي ارتفعت أسعارها فضلا عن تكاليف العلاج ونفقاتها . أكثر من أسبوع مضى على تواجدها بالمستشفى تزورها بعض قريباتها وجيرانها الذين أكدوا أنها مثال للأخلاق العالية والقلب الطيب. لكن زينة أصبحت تخشى أن تطول إقامتها على تلك الحالة وهي عاطلة عن العمل ما جعلها قلقة على مصير «والدتها» وعلى صحتها اثر الحادث الذي لم يترك لها جزءا من جسمها سليما سوى قلبها القنوع والمتعفف عن السؤال ونفسها المؤمنة بالأقدار. وهذا ما جعل الإطار الطبي يوليها عناية فائقة.