عوّدتنا القناة الاولى للإذاعة الوطنية الجزائرية ضمن برامجها ومنوعاتها الموسيقية بمفاجآت لا تخطر على بال حول بعض الأغاني ذات الأصل الجزائري خصوصا المأخوذة من التراث التي سطا عليها مطربونا المحترمون وتصرّفوا فيها بمعرفتهم لايهام المتلقي على أنها من ابداعاتهم.. وثمرة جهودهم وعرق جبينهم.. والى وقت قريب كان الكثيرون يظنون ذلك وذهب في اعتقادهم ان تلك الأغاني هي فعلا تونسية كلمة ولحنا وأداء... فأزاحت «الشروق» الغطاء عن هذه المغالطات وقدمت أدلة قاطعة في الغرض بعيدا عن الاثارة وما يمكن ان يمس من قيمة الفنان في اطار من الشفافية والصدق والموضوعية. هذه المرة حاول بعض فلاسفة القرن 21 من أهل الموسيقى والفن طمس أغنية «نزاد النبي» التونسية الفريدة وسلب هويتها الاصلية ونكران صاحبتها... في الفترة الاخيرة وقع بث «نزاد النبي» في الفضائية الجزائرية للقرآن الكريم بصوت عدد من المنشدين على النحو الذي كانت تؤديه الراحلة بشيرة التونسية مع تحوير طفيف في الكلمات.. ولئن كانت سعادتنا كبيرة بنجاح الأغنية المذكورة واستمرار وجودها في ذاكرة الناس سواء في تونس او في بقية البلدان العربية على غرار سوريا حيث تولت عدة مجموعات صوفية ترديدها من ذلك الشيخ عبد القادر مرعشلي ومحمود الحاج علي «ليس تونسيا» بيد ان هذه الطقطوقة المولدية الجميلة التي أقر شيوخ الصوفية بدمشق انها تونسية لحما ودما.. فإن بعض الأخوة في الجزائر رأوا عكس ذلك واعتبروها تراثا قديما... وان من أدى هذه الاغنية هي المطربة صليحة.. على اعتبار ان الراحلة «كافية» من «دشرة نبر» وجدها عبد الحفيظ ذي الأصول الجزائرية من المحتمل ان يكون نقل هذه الاغنية الى البلاد التونسية في فترة ما... غير ان مصادرنا تفند هذه الافتراءات... بعد ان سألنا أطرافا عدة الذين أكدوا لنا بأن أجداد الفنانة صليحة للأب والأم تونسيو المولد والنشأة.. هذا من جانب.. ومن جانب ثان وهذه الحقيقة يجب الاقرار بها. فالشائع لدى عامة الناس بما في ذلك أهل الفن باستثناء قلة قليلة والى حد اللحظة ان «نزاد النبي» هي «لصليحة» اعتبارا لتشابه الصوتين بين بشيرة التونسية و«أم شبيلة» وحتى يكون الجميع على بينة من أمرهم فإن هذه الاغنية التي أبدع خميس الترنان في تلحينها هي للمرحومة بشيرة ا لتونسية التي قامت بأدائها بشكل متميز رائع جدا اذ لها من القدرات والطاقات الصوتية العجيبة ما أهلها لتكون صاحبة هذا التميز والتفرد في الاداء.. وهي الاغنية الوحيدة تقريبا في رصيد هذه الفنانة الاستثنائية.. وهو ما جعلها دائمة الحضور في كل مناسبة مولديّة.. المؤلم حقا في الموضوع ان منشطي محطاتنا الاذاعية ساهموا بطريقة أو بأخرى في طمس معالم هذه المطربة ومحو اسم بشيرة من الذاكرة الجماعية. فلا أحد منهم تجرأ وقام بتسليط بعض الضوء على الراحلة او حتى مجرد التذكير باسمها عند تمرير أغنيتها تلك.. ربما افتقادهم للمعلومة الصحيحة قادهم الى هذا التجاهل غير المتعمد.. فمنشطونا تعودوا الضرب على الطار المڤعور!! يعرفون أدق التفاصيل عن هيفاء ونانسي وإليسا... وروبي ومريدات العلب الليلية المعروفة..بل اكثر من ذلك ملابسهن الداخلية لم تسلم من المتابعة والتدقيق والتحليل..! آه يا زمن حمار جحا!! على صعيد متصل ودحضا للأباطيل العرجاء ان ما تردد في احدى الحصص الاذاعية بالجماهيرية ان الفنانة صليحة هي من اصل ليبي وتنحدر من قرية تسمى «الحوامد» القريبة من الحدود التونسية حجتهم في ذلك أغنيتها الشهيرة «بخنوق بنت المحاميد» رواية مثل هذه لا يمكن قبولها او تصديقها وهي هواية الذين ركبوا صهوة الافلاس ولم يعد لديهم ما يقدمونه للجماهير الغلبانة.. ان صليحة او صلوحة بنت ابراهيم بن عبد الحفيظ تونسية أبا عن جد.. فلا ليبية ولا جزائرية رغم اننا نفتخر بهذين القطرين الشقيقين.. لكن «كل حاجة في مكانها، وكفى«.