سواء كنا متفقين مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أو اختلفنا مع أطروحاته وخطاباته، سواء أعجبنا نهجه المتحدي والتصعيدي ضد الغرب عامة والولاياتالمتحدة خاصة أم امتعضنا من هذا التوجه في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية فإن ما سنجمع عليه كامن في أن السياسة الإيرانية المنبنية على ثلاثية القوة الاقتصادية والتمسك بالحقوق التقنية (وأهمها على الإطلاق التكنولوجيا النووية) وملء فضاءات عربية شاغرة، حوّلت إيران إلى رقم صعب في منطقة الشرق الأوسط يعسر إن لم نقل يستحيل تجاوزه في السعي إلى الوصول لتسوية سياسية شاملة. الثقل الإيراني يبرز من خلال ثلاث نقاط أساسية وهي: الحجم الإعلامي الإسرائيلي الكبير الذي استقطبته زيارة الرئيس نجاد إلى لبنان، حيازة الكلمة الأخيرة الحاسمة في هوية رئيس الوزراء العراقي الجديد، إبرام اتفاقيات صناعية وتجارية عديدة مع مصر التي لا تربطها بطهران أية علاقات ديبلوماسية رسمية منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران وإطاحتها بالشاه . ويكفي أن نسلط الضوء على مواقف البلدين (مصر وإيران) من الكثير من الملفات السياسية والاستراتيجية في المنطقة حتى نستشف أن للتقارب المصري الإيراني الاقتصادي إلى حد اللحظة على الأقل مصلحة حيوية وضرورة ملزمة للطرفين تتجاوز الجانب السياسي وإن لم تلغه. تقارب لم يرض الولاياتالمتحدة التي عبرت وزارة خارجيتها عن تبرمها منه... بيد أنها لم تلم القاهرة عنه لاعتقادها الجازم بأن ما ستقدمه طهران للقاهرة تعجز هي عن تقديمه وإن قدرت فستؤثر إسرائيل به علىكل العواصم العربية والإسلامية. إيران تتقدّم وتتطوّر وتتوسّع ليس في إقليمنا العربي والإسلامي فحسب بل في مناطق لا تزال عند النظام العربي الرسمي منسية وشبه مجهولة... وقفة نجاد الليلة قبل الماضية عند قرية بنت جبيل الحدودية مع فلسطينالمحتلة وإطلالته على المغتصبات الصهيونية تشير من جملة ما تشير إليه إلى أن عصر آلة الحرب الإسرائيلية القادرة وفق الديباجات الصهيونية المهترئة على الوصول إلى أية عاصمة عربية وتصفية أهدافها بدقة متناهية قد ولّى بلا رجعة... كيف لا؟ والصهاينة يستقبلون نجاد بإطلاق 3 آلاف بالونة زرقاء وبيضاء في السماء... كيف لا؟ ودعوة أحد نواب الكنيست اليمنيين بقتل نجاد تحوّلت إلى «طرفة» ونادرة في الإعلام الإسرائيلي... كيف لا؟ وإيهود باراك وزير الحرب الصهيوني صاحب المجازر فضّل الهروب إلى الجولان المحتل والقيام بجولة تفقدية للجيش إلى حين مغادرة نجاد لبنان... في هذه الأثناء نستحضر كلمات المفكر والمختص في الشؤون الصهيونية عبد الوهاب المسيري رحمه الله تعالى الذي أكد أن عمر إسرائيل لن يتجاوز في أحسن الأحوال القرن... إرهاصات الغضب ومؤشرات الانتفاضات الشعبية والرسمية ضد إسرائيل... يسمع حسيسها في عواصم الفرس والعجم وآل عثمان... والخوف كل الخوف أن يكتب التاريخ أن هناك من العرب من دعّم إسرائيل واستمات في الدفاع عنها يوم الضعف والتيه...