انطلقت قبيل ظهر أمس بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة اشغال مؤتمر القمة الثالث لمنظمة المرأ ة العربية الذى يلتئم على مدى ثلاثة أيام تحت شعار «المرأة العربية شريك أساسي في مسار التنمية المستدامة» وذلك برئاسة السيدة ليلى بن علي حرم رئيس الجمهورية رئيسة المنظمة. وتشارك في هذا المؤتمر كل من السيدة سوزان مبارك قرينة رئيس جمهورية مصر العربية وصاحبة السمو الملكي الاميرة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة قرينة ملك مملكة البحرين رئيسة المجلس الاعلى للمرأة وسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك الرئيس الاعلى لمنظمة الأسرة العربية رئيسة الاتحاد النسائي العام بدولة الامارات العربية المتحدة والسيدة وفاء سليمان عقيلة الرئيس اللبناني ميشال سليمان والسيدة أمينة عباس قرينة الرئيس الفلسطيني محمود عباس والشيخة لطيفة الفهد السالم الصباح رئيسة الوفد الكويتي الى جانب العديد من سامي الشخصيات النسائية العربية رئيسات وفود البلدان الاعضاء في المنظمة. وحضر أشغال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بالخصوص الامين العام لجامعة الدول العربية والمدير العام للمنظمة الاسلامية للتربية والثقافة والعلوم «ايسيسكو» إلى جانب ضيوف رفيعي المستوى من ممثلي عديد المنظمات الاقليمية والدولية ومن بلدان افريقية شقيقة. وألقت السيدة ليلى بن علي في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الذي تحتضنه تونس على امتداد ثلاثة أيام كلمة في ما يلي نصها: «بسم الله الرحمان الرحيم صاحبات السمو والفخامة والمعالي معالي السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية معالي الدكتور عبد العزيز التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الدكتورة ودودة بدران المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية ضيوفنا الكرام حضرات السيدات والسادة يسعدني أن أرحب بكم في بلدكم تونس التي تعتز باحتضان مؤتمر القمة الثالث لمنظمة المرأة العربية معربة لكم عن كبير الاعتزاز بما يجسمه حضوركم اليوم من روابط الأخوة والتعاون التي تجمع بيننا ومن حرص على الارتقاء بمنظومة العمل العربي المشترك في مجال المرأة إلى أفضل المراتب. وإنها لمناسبة متميزة نواصل فيها تدارس مجموعة من المواضيع تستأثر باهتمامنا جميعا سعيا إلى مزيد الارتقاء بمكانة المرأة العربية وحرصا على تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين بما يدعم مسيرة الإصلاح والتطوير التي انخرطت فيها بلداننا ويعزز حظوظ اندماج المرأة في عالم يشهد تحديات غير مسبوقة في شتى الميادين. ويطيب لي أن أتوجه بفائق الشكر وخالص التقدير إلى الأخوات الكريمات صاحبات السمو والفخامة والمعالي على تلبيتهن الدعوة وحضورهن أشغال هذا المؤتمر. كما أتوجه بالتحية إلى أعضاء الوفود الرسمية وسائر الحاضرين من ممثلي الدول والهيئات الدولية والإقليمية والعربية والخبراء والخبيرات في مجال المرأة مكبرة اهتمام الجميع بمؤتمرنا وبالمواضيع المطروحة عليه. كما أنوه بجهود أعضاء اللجنة التحضيرية والفريق العلمي والإدارة العامة لمنظمة المرأة العربية بإشراف الأخت الدكتورة ودودة بدران لما بذلوه من جهود قيمة في تنظيم هذا المؤتمر الذي ينعقد تحت شعار «المرأة العربية شريك أساسي في مسار التنمية المستدامة» وذلك لتعميق الحوار وتبادل الأفكار بشأن الارتقاء بقضايا النوع الاجتماعي إلى مستوى الخيار الاستراتيجي. وهو ما يساعد على كسب رهان تطوير قدرات المرأة العربية وتعزيز دورها في خدمة التنمية باعتبارها من صناعها لا مجرد مستهلك فيها. إن في تعطيل طاقة المرأة هدر لنصف طاقة المجتمع لقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن التنمية المستدامة في ظل أوضاع عالمية متقلبة بما يدفعنا الى التساؤل عن أنجع السياسات الواجب اتباعها في هذه الظروف لتأمين التقدم للمجتمعات البشرية كافة وعن أقوم المسالك لإدماج المرأة العربية في عملية التنمية المستدامة بنسق أرفع وبخطة أشمل وأعم. إن التنمية المستدامة رهان حضاري وقضية إنسانية ذات أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وتكنولوجية وبيئية متشابكة. وهي تستوجب وضع سياسات وبرامج تساعد على الاستفادة مما يتوفر للبشرية من موارد وخيرات طبيعية وفق مقاربة متكاملة العناصر لتحقيق أغراض التنمية مع إحكام التعامل مع الموارد والخيرات لحمايتها من الاستنزاف بما يؤمن الحياة الكريمة والرفاه لكل الأجيال حاضرا ومستقبلا. وهذه المقاربة لا تتحقق إلا بالقضاء على أسباب الفقر والجوع والتمييز واختلال الأمن ونشر الوفاق الاجتماعي والرفع من حجم الاستثمار وتنمية قدرات الإنسان الخلاقة وكذلك بتحسين نوعية حياته ضمن توجه عادل وشامل ومستدام لا يميز بين المرأة والرجل ولا بين الأجيال ولا بين الوسطين الحضري والريفي. ولئن كانت الحاجة للتنمية المستدامة حاجة حيوية لبقاء النوع الإنساني فإنها لا تقتصر على حماية الفرد من الجوع والأخطار المهددة لحياته فحسب وإنما تتجاوزها إلى الاستفادة من خدمات قطاعات التنمية الأساسية كالتعليم والصحة والمسكن والشغل والى التحرر من مظاهر التهميش التربوي والثقافي والإقصاء الاجتماعي والاقتصادي. ويعتبر النهوض بقدرات المرأة العربية ومساعدتها على التمتع بفرص متكافئة مع الرجل في الخدمات والخيرات جزءا لا يتجزأ من هذا الهدف الاستراتيجي. وهو لا يتأتى الا عبر برامج محكمة وشاملة من التكوين والتدريب والتأهيل ومساعدة المرأة على الاستفادة من نتائج البحوث والتجديد التكنولوجي في مختلف الميادين وتمكينها من الموارد الاقتصادية ودعم دور المجتمع المدني في الإحاطة بها حيثما كانت في الأوساط الحضرية أو شبه الحضرية أو في المناطق الريفية. وإن في حضور المرأة العربية اليوم إلى جانب الرجل في الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تأكيدا قويا لعزمها على أن تكون عنصرا فعالا في ترسيخ مقومات التنمية الشاملة المستدامة بمجتمعها. وتدل اليوم مختلف المؤشرات الصحية والتربوية والاجتماعية على أن أوضاع المرأة العربية قد شهدت تطورا ملحوظا يؤكده ارتفاع مؤمل الحياة وتحسن صحة الأم وانخفاض معدلات الوفاة عند الولادة وارتفاع مستوى التربية والتعليم. لكن هذه الانجازات والمكاسب على أهميتها تظل دون طموحاتنا لان المرأة العربية ما تزال أقل تمكنا من الرجل في عديد المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولأن تفشي الأمية لدى نسبة كبيرة من الفئات النسائية لاسيما في الأرياف يعد من أكبر التحديات المطروحة على العديد من مجتمعاتنا. كما أن الموقف بشأن تعليم المرأة وتمكينها من شغل تمارسه في حياتها ما يزال يثير الجدل في أقطارنا حيث لا يفضي الإقبال على تعليم البنت الى تمكينها بصفة آلية من فرص الشغل والاندماج في مسار التنمية والمشاركة في الحياة العامة. وهو ما يعكس منظورا ثقافيا واجتماعيا ما يزال سائدا في بعض مجتمعاتنا العربية حيث يتعامل الناس مع مسألة التحصيل العلمي والحق في العمل لدى الجنسين بمقاييس متباينة. إن من معوقات التنمية اليوم عدم تمكين المرأة من المشاركة الفعالة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية وفي مواقع القرار والمسؤولية نتيجة عوامل تقليدية مازالت تكرس اللامساواة بين المرأة والرجل. ونحن على اقتناع راسخ بأن ممارسة المرأة العربية لحقوقها في الحياة العامة لا تنفصل عن ممارسة حقها في تقرير شؤونها الخاصة داخل الأسرة وعن الإسهام على قدم المساواة مع الرجل في بناء أسرة سليمة متماسكة ومتوازنة باعتبار الأسرة قاعدة لكل تغيير تربوي وثقافي وأساسا لكل تطور اجتماعي واقتصادي. ويمكن القول في هذا المجال ان التجارب المسجلة في معظم أقطارنا العربية هي تجارب واعدة لأنها تعتمد مقاربات تنموية متوازنة يتلازم فيها البعدان الاقتصادي والاجتماعي وتترسخ فيها المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات وتتطور فيها العقليات باتجاه إرساء ثقافة أسرية ومجتمعية تعزز الشراكة بين المرأة والرجل في سائر شؤون الحياة. إن مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية من بين أهم المعايير المعتمدة لقياس مدى تقدم المجتمعات ومدى تجذر مفاهيم التنمية البشرية المستدامة فيها. وقد كشفت التحولات الاقتصادية في البلدان العربية عن إمكانات جديدة وواعدة في مجال الأنشطة الحرفية النسائية حولتها من مجرد أنشطة عائلية تقليدية إلى أنشطة اقتصادية مجددة تقوم على المهارة والابتكار وعلى الإلمام الجيد بفنون الإنتاج والترويج. وهو ما يقتضى من المرأة العربية مزيد التعرف على أساليب الإنتاج والتسويق الحديثة والانخراط في التنظيمات المهنية التي تخدم مصالحها حتى تتمكن من تحسين وضعها الاجتماعي والاقتصادي وتسهم في تقدم مجتمعها وازدهاره. ونحن ندعو في هذه المناسبة إلى تدارس إمكانية تنظيم منتدى دوري للحرفيات العربيات في مختلف الاختصاصات وإلى إرساء شبكة للترويج التضامني لمنتوجهن بما من شأنه أن يفتح أمامهن آفاقا أرحب للاندماج في الدورة الاقتصادية وفي ديناميكية التنمية الشاملة المتضامنة والمستدامة. ونحن حريصون في نطاق رئاستنا لمنظمة المرأة العربية على مزيد تفعيل البرامج التي ترتقي بمهارات المرأة العربية وتكسبها القدرة على استيعاب المعارف والتكنولوجيات الحديثة والحصول على الخبرات الكفيلة بإحداث المشاريع وإدارتها. ولما كانت البيئة من المرتكزات الأساسية في عملية التنمية المستدامة فإننا مدعوون أمام ما ينتاب عصرنا من حدة في تقلب الظواهر المناخية وتفشي الكوارث الطبيعية واختلال التوازن البيئي الى تعميق الوعي بخطورة هذه الظواهر وبانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية على وضع المرأة خاصة. ذلك أن المرأة هي الأكثر تعاملا مع الموارد الطبيعية وهي تمثل قوة العمل الأساسية في القطاع الزراعي في معظم البلدان. وفي هذا السياق ندعو الى النظر في إحداث جائزة للدراسات والبحوث في المجالات البيئية التي تعدها نساء عربيات أو يشرفن عليها وجائزة لأفضل جمعية نسائية عاملة في هذا المجال تتميز بنوعية جهدها في حث المرأة العربية على حسن استخدام الموارد البيئية وتطوير مساهمتها في غرس الوعي البيئي في الاجيال القادمة. ان انتهاج أساليب موضوعية دقيقة لمعرفة مدى مشاركة المرأة في الاقتصاديات الوطنية ومدى نشاطها في المجتمع المدني من شأنه أن ينقل الينا صورة حقيقية ودقيقة عن وضعها. وهو ما يؤكد الحاجة الى القيام ببحوث ودراسات حول تكافؤ الفرص في التشغيل بين المرأة والرجل وحول مراعاة الأوضاع الخصوصية للمرأة في توزيع أوقات العمل. ولابد كذلك من تبادل التجارب والخبرات بين بلداننا في هذا المجال بما يتيح لنا تطوير مسيرتنا والتوفق الى ما ينسجم مع واقعنا وخصوصياتنا ويتماشى مع متطلبات عصرنا. ونحن في حاجة اليوم الى مزيد تطوير أوضاع المرأة العربية الى الأفضل باستمرار في اطار مقاربة تقوم على التلازم الوثيق بين الحقوق المدنية والسياسية من ناحية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية من ناحية أخرى. وهو هدف تشترك فيه المرأة العربية مع عدد كبير من نساء العالم ويحفزنا في نطاق منظمة المرأة العربية الى بذل مجهودات أكبر في التواصل مع محيطنا الجغرافي ومزيد التفتح عليه لصياغة تفاهم مشترك من أجل الأمن والسلام والتنمية. إن التخلّص من ثلاثية الخوف والفقر والتمييز يعتبر من الأركان الأساسية للتنمية المستدامة. وان ما تتعرض له المرأة في بعض المجتمعات من خصاصة وعنف وتشريد وتفكك أسرى بسبب تدني الأوضاع الصحية والاجتماعية والاقتصادية وتفشي النزاعات المسلحة يعد انتهاكا لكرامتها وإساءة لكيانها وإخلالا جسيما بمفهوم التنمية الشاملة العادلة والمستدامة التي تنشدها الأمم قاطبة. ويحق لنا في هذا المجال أن نتساءل عن مدى وفاء المجموعة الدولية بالالتزامات التي حددتها المرجعيات الأممية في هذا المجال في الوقت الذي تعاني فيه المرأة بعدة دول من التمييز والإقصاء والتهميش. ونحن نعتبر اجتماعنا اليوم فرصة سانحة لتجديد تضامننا مع النساء في جميع مناطق التوتر والنزاع في العالم ولإبراز حرصنا على أن تسهم لجنة المرأة للقانون الدولي الإنساني في توعية مختلف الأطراف بأبعاد هذا القانون وضرورة احترام مبادئه ولنؤكد في الآن نفسه دعمنا الثابت لنضال الشعب الفلسطيني وصموده الباسل بنسائه ورجاله وأطفاله في وجه الاحتلال والعدوان واستبساله في الدفاع عن حقوقه المشروعة في الحرية والكرامة. صاحبات السمو والفخامة والمعالي حضرات السيدات والسادة إن ثقتنا كبيرة في قدرة منظمتنا وسائر الجمعيات النسائية العربية التي تطوعت للنشاط بحماس وحيوية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية والعلمية على ترسيخ القناعة في مجتمعاتنا بأنه لا استدامة للتنمية في غياب المرأة. وإنني لعلى يقين بأن الكفاءات المشاركة في هذا المؤتمر ستساعدنا على الخروج بتوصيات عملية قادرة على بلورة مفهوم عادل ومتكامل للتنمية يولي المرأة المكانة التي تستحقها ويرتقي بدورها إلى مرتبة الشريك الفاعل مع الرجل في صنع التقدم بمجتمعاتنا. وإذ أجدد الترحيب بكم راجية لكم إقامة طيبة بيننا ولمؤتمرنا التوفيق والنجاح فإنني أسأل الله أن يسدد خطانا لما فيه خير المرأة العربية وخير أوطاننا وما ننشده لها من نماء وازدهار. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته». واثر ذلك أحيلت الكلمة للسيدات الاول وإلى عدد من رئيسات الوفود المشاركات في المؤتمر الى جانب الامين العام لجامعة الدول العربية والمدير العام للايسيسكو وممثلي عدد من المنظمات الاقليمية والدولية. وقد أشاد المتدخلون بالخصوص بدور منظمة المرأة العربية في النهوض بأوضاع المرأة والارتقاء بدورها في مسارات التنمية والاصلاح مثمنين ما تبذله السيدة ليلى بن علي في نطاق رئاستها للمنظمة من جهود حثيثة من أجل تعزيز مقومات التمكين للمرأة العربية وتفعيل اسهاماتها في تنمية مجتمعاتها.