بعد أن قتلها ومثل بجثتها، ألقى بها في واد فنهشتها الكلاب وأتت على يديها ورجلها اليسرى، خلع ملابسه الملطخة بالدماء، وعاد إلى منزله ليجلس بين زوجته وأبنائه متناسيا ولو للحظات انه قتل فتاة بريئة دافعت على عفتها و شرفها حتى آخر لحظة.. هذه الجريمة البشعة هزت مدينتي صفاقسوقفصة في اليومين الأخيرين، فالفتاة أصيلةقفصة والجريمة جدت بصفاقس مسقط رأس المتهم الرئيسي، وبين المسافة الفاصلة بين الولايتين تفاصيل غريبة ومثيرة ترويها هذه السطور .. طعنات بالجملة.. لماذا؟ قضية الحال تنطلق بتحول الضحية من قفصة إلى صفاقس، هي فتاة في الثلاثين من عمرها شاءت ظروفها الاجتماعية أن تغادر منزل والديها بقفصة لتستقر بصفاقس للعمل بأحد المصانع الواقع بين طريقي المطار ومنزل شاكر، ثمرة العمل كانت راتبا متواضعا ترسله إلى عائلتها التي تشكو قلة ذات اليد . في صفاقس، استقرت الهالكة في منزل شعبي متواضع رفقة 3 طالبات أعفينها من دفع معلوم الكراء باعتبارها تشكو الخصاصة وقلة ذات اليد، وفي المقابل كانت الضحية تهتم أكثر من صديقاتها بتنظيف الغرف المتواضعة . وفق هذا النسق اليومي كانت تعيش فتاة الثلاثين متكتمة على فقرها، إلى أن حدثت جريمة القتل التي كشفت كل هذه المعاناة كما كشفت عن تفاصيل تنفيذ عملية القتل التي نفذت بشكل وحشي ربما يخفي أسرارا أخرى دفعت بالمتهم إلى الإنتقام بهذا الشكل المقرف. أغلب تفاصيل الجريمة غائبة الآن عن الأذهان باعتبار تمسك المتهم الرئيسي بالإنكار ووفاة الفتاة التي تعرف كل الحيثيات، لكن ما توفر من قرائن يؤكد أن أحدهم اعترض سبيل الضحية لما غادرت المصنع، فقتلها خنقا وطعنا ب 12 طعنة شملت كل جسمها. وبعد أن تأكد من وفاتها ألقى بها في الوادي القريب من المصنع حيث غطتها الأمطار والأوحال في مرحلة أولى ثم أتت عليها الكلاب ونهشت أجزاء من يديها و رجلها اليسرى على أغلب الظن باعتبار أن الجهات الأمنية تستبعد حاليا أن يكون الجاني قطع أطرافها.. هل مثل بالجثة ؟ أعوان فرقة الأبحاث والتفتيش بصفاقس التابعة للحرس الوطني تكفلوا بالتحقيقات في الموضوع لحظة اكتشاف الجثة، وقد وجدوا في البداية صعوبة في تحديد هوية الضحية نظرا لغياب وثائقها، لكنهم في المقابل فهموا انهم يقفون إزاء جريمة قتل غامضة للغاية باعتبار ان جثة الهالكة متعفنة و أطرافها مبتورة .. بعد المعاينات الأولية انطلقت التحقيقات و شملت ما يقارب ال70 مشتبها فيه، إلى أن استقرت الأبحاث على كهل متزوج يشتغل حارس مصنع غير بعيد عن مكان الجريمة، قيل إنه حاول عديد المرات التحدث إلى الضحية بالرغم من انه محصن ووالد لطفلين. وباستدعائه أنكر المتهم كل ما نسب إليه، وكان لزاما مواصلة التحقيق معه مادام حدس المحققين وخبرتهم يتمسك به، وبتفتيش ملابسه لم يعثروا على أي شيء لافت للنظر باعتبار أن اكتشاف الجثة كان بعد 3 أو 4 أيام من الجريمة، لكن بتفتيش المكان عثروا على الملابس الملطخة بالدماء وقد اتضح أنها على ملكه. آثار الدماء وجد لها المتهم مخرجا، إذ أفاد انها دم حيوان، لكن التحاليل المخبرية أفادت أنها دماء بشرية بل هي من فصيلة دم الهالكة، ومع ذلك مازال المتهم وإلى حد كتابة هذه الأسطر يصر على الإنكار رغم الأدلة و القرائن ورغم بعض التفاصيل التي نحتفظ بذكرها في انتظار التأكد من صحتها من خلال تقرير الطبيب الشرعي. المتهم الآن رهن الإيقاف وهو متمسك بالإنكار، وباعترافه قد يتم الكشف عن تفاصيل أخرى نتركها لحينها حسب ما ستكشف عنه الأبحاث والتحريات و تقرير الطبيب الشرعي في هذه الجريمة المحيرة..