بقلم: نور الدين صمود في الحلقة الرابعة من ذكرياتي الخاصة جدا عن طه حسين التي نشرتها في هذا الركن منذ ما يناهز السنة وبالضبط يوم 30/8/2009 أشرت إلى أن عميد الأدب تحدث مرة عن شاعر النيل حافظ إبراهيم وعن ترجمته لقصة «البؤساء» لفيكتور هيغو، (فأشاد بالأسلوب البليغ الذي نقل به حافظ النصَّ الفرنسي إلى العربية، ولكنه آخذه على أشياء كثيرة منها الإفراط في تعمد استعمال الألفاظ العويصة التي لا يكاد يعرفها حتى العارفون بالعربية والتي احتاج هو نفسه، إلى شرحها في كثير من الأحيان، وأضاف: إن معرفة حافظ باللغة الفرنسية محدودة، فهو يقرأ الجملة أو الفقرة فيفهم المعنى فهما مجملا ثم يصوغه حسب ما يعنُّ له، وكثيرا ما يتجاوز الصفحات الطوال فلا يترجمها لهذا السبب، فبدا تعريبه لها كأنه استيحاء مما يقصده فيكتور هيغو، ولم يشفع له في هذه الترجمة إلا براعة التعبير وجمال الأسلوب.) وقد عدت أخيرا إلى كتاب «شوقي وحافظ» لطه حسين فوجدت فيه فصلا بعنوان (البؤساء) يقول فيه نفس الفكرة تقريبا بكثير من التوسع، وسأنقل من هذا الكتاب ما يؤكد ذلك وخاصة في قوله: (أحمد لحافظ هذه اللغة الجزلة، لأنها تدل على عناء وجهد عظيمين، وأُنكرها عليه لأنها تكاد تجعل هذا الجهد غير نافع وهذا العناء غير مفيد. وما رأيُك في أني أقرأ الأصل الفرنسي فأفهمه بلا عناء، وأقرأ ترجمته العربية فلا أفهمها إلا كارها؟ ولست أتقن الفرنسية إتقانا خاصا ولا أجهل العربية جهلا خاصا، فكثير من الناس يفهمون البؤساء بالفرنسية فهما يسيرا ويفهمون البؤساء بالعربية فهما عسيرا، ولقد قال لي أحد الكتاب المجيدين: أليس غريبا أن يكون ابن المقفع أدنى إلى أفهامنا من حافظ!. أيسمح لي حافظ، بعد هذا، أن آخُذَه بعيبين عظيمين؟ آسف جدا أن آخُذه بهما، فله علينا حق الإنصاف ولكن للعلم والنقد حقهما من هذا الإنصاف أيضا: الأول: أن ترجمته ليست كاملة فهو يلخص ولا يترجم: ولست أريد أن أطيل في ذلك وإنما أُلْفِتُه إلى أنه قد أهمل الصفحة الأولى من الكتاب إهمالا تاما فلم يشر إليها بحرف وهذا نصها) ويقوم طه حسين بترجمة تلك الصفحة ثم يقول: (بحثت عن هذا الكلام في الترجمة فلم أجده، وأحسب أنه سقط في المطبعة سهوا أو خطأ. والعيب الثاني: أن ترجمته – على ضخامة ألفاظها وفخامة أساليبها وعلى ما لها من روعة وجمال – ليست دقيقة ولا حسنة الأداء، وقد يكون لحافظ في ذلك رأيه، ولكني أرى أنْ ليس للترجمة قيمتُها إلا إذا كانت صورة صحيحة للأصل. وليست ترجمةُ حافظ كذلك. ولست أريد أن أطيل وإنما أضرب مثلا واحدا.) ويذكر طه حسين فقرة من الفقرات التي ترجمها حافظ ويقدم إثرها الترجمة التي يراها مطابقة للأصل الفرنسي، ويعلق عليها بقوله: (ولو ذهبنا في المقابلة بين الأصل والترجمة لأظهرنا خلافا شديدا جدا بين الشاعرين: الفرنسي والعربي. ولكنا قد أطلنا فلنختصر. نأخذ حافظا بعيوب ثلاثة: الإسراف في اللفظ الغريب، والإعراض التام عن بعض النصوص، والتشويه الذي يختلف قوة وضعفا لبعضها الآخر، وهذه العيوب الثلاثة خَطِرةٌ جدا، ولكنَّ حافظًا يستطيع أن يحتملها، فليس يمكن أن نقرأ، لا أقول ترجمته، بل أقول كتابه، دون أن نستفيد.) وبهذه الكلمة يرى (طه حسين) أن ما قام به (حافظ إبراهيم) ليس ترجمة عن الشاعر الفرنسي (فيكتور هيغو) بل هو تأليف من تآليف الشاعر العربي المصري (حافظ إبراهيم) ولكنه لا يخلو من فائدة. وأخيرا أشير إلى أنني قلت في نفس ذلك المقال عن رأي طه حسين في ترجمة حافظ لعنوان الكتاب: (وأغلب الظن أنه أشار إلى أن كلمة «البؤساء» لا تعني في العربية «البائسين» و«الفقراء»، لأن معناها في اللغة العربية الأشداء الأقوياء). وهي مأخوذة من «البَأْس» بمعنى الشدة والقوة، لا من «البُؤْس» بمعنى الفقر، وقد كان علَى حافظ أن يترجم عنوانها الفرنسي إلى العربية: «البائسون» أو «المساكين».) ولكني لم أعثر على ما يؤكد هذا القول في كتاب طه حسين الذي ذكرته سابقا، لذك يبقى هذا القول مِنِّي محتملا أن أكون قرأته في مكان آخر، ولعل قائله غير طه حسين، وهذا ما جعلني أقول عنه في ذلك المقال: (وأغلب الظن أن طه حسين قد أشار في إحدى محاضراته، عن ترجمة حافظ لرواية فيكتور هيغو، إلى أن كلمة «البؤساء» لا تعني في العربية «البائسين» و«الفقراء»، لأن معناها: الأشداء الأقوياء. مأخوذة من «البأس» بمعنى الشدة والقوة، لا من «البؤس» بمعنى الفقر، وقد كان على حافظ أن يترجم عنوانها الفرنسي إلى العربية: «البائسون» أو «المساكين».) ولعلي أعثر على ما يثبت أو ينفي ما نسبتُه إلى أستاذ الأجيال طه حسين في مرجع من المراجع في يوم من الأيام. وأخيرا فإن الحديث عن طه حسين يبقى دائما شيِّقا ويحتاج إلى الكثير من التتبع والتقصي والتثبت، لذلك سنعود إليه كلما عثرنا على شيء جديد أو طريف عنه له صلة بما نحن بصدد الحديث عنه، فإلى اللقاء.