تمثل الصين منافسا قويا للولايات المتحدة في المجال التجاري والصناعي حتى أنها أجبرت عدّة شركات أمريكية على إعلان الافلاس أو على الأقل تذمّرها من هذه المضايقة في السوق العالمية، لكنّ التحدّي الأكبر الذي تواجهه واشنطن اليوم يكمن في التطوّر الهائل للقدرات العسكرية الصينية من حيث التصنيع العسكري والاعداد البشري. فالتقرير الأخير الصادر عن الكونغرس الأمريكي والمتعلق برصد القدرة العسكرية للصين أظهر قلقا بالغا لدى الادارة الأمريكية من أن تتحوّل الصين الى العدو الأول والتهديد العسكري الأبرز للولايات المتحدة. التقرير ذهب الى حدّ التحذير من أن القوة العسكرية الصينية باتت قادرة على تدمير خمس قواعد أمريكية من أصل ست في آسيا في موجة محتملة من الضربات الصاروخية، وخلص الى أن الجيش الصيني تحوّل من جيش تقليدي دفاعي ضدّ الاعتداءات المحتملة الى جيش قادر على الانتصار في حملات عسكرية خاطفة ومكثفة ضدّ أعداء على قدر عال من التفوق التقني. ولا شك أنّ خلاصة ما توصل إليه التقرير تدق ناقوس الخطر لدى الادارة الأمريكية التي بدت عاجزة حتى الآن عن احتواء التنين الصيني الذي تتعاظم قوّته ويستفحل أمره يوما بعد يوم، وعن وضع استراتيجية للتواصل مع هذه القوة العالمية الصاعدة صعودا صاروخيا لا يمكن تجاهله ولا الاستهانة به. والإدارة الأمريكية التي اتخذت بمفردها قرار غزو أفغانستان ومن بعدها العراق، والتي تقف اليوم عاجزة عن ايجاد صيغة لانهاء حربها هنا وهناك باتت اليوم في موقف بالغ الصعوبة، فهي مجبرة على التعامل مع هذا الواقع الجديد بتحدّياته الأمنية التي تفرض تعزيز تحالفاتها في شرق آسيا خصوصا مع اليابان وكوريا الجنوبية وبانعكاساته على القرار الدولي. فالولاياتالمتحدة لن تكون قادرة بعد اليوم على تجاهل موقف الصين أو عدم الاصغاء الى كلمتها في كل ما يهم القضايا الدولية الشائكة. وبمعنى آخر، فإنّ ما كشف عنه التقرير الأمريكي الأخير يفرض على الولاياتالمتحدة الاقرار بأنّ زمن الأحادية القطبية بدأ يتلاشى وأن اتخاذ قرار السلم والحرب لم يعد بيدها هي فحسب. بل إن هناك قوى باتت تفرض كلمتها بقوة الاقتصاد والسلاح وأنه لا مفرّ من أخذ هذه التطورات في الاعتبار لبناء علاقات دولية سليمة لا مجال فيها للتصادم بين القوى الكبرى، ولا مكان فيها للاستئثار بالرأي.. ولكن يبقى مستقبل العلاقات الدولية في ظل هذا الواقع الجديد رهن استعداد واشنطن للتعامل بندية مع غيرها من القوى العالمية ومدى قابليتها للتعايش مع هذا الواقع الساخن الذي يعيد الى الأذهان فصلا مهما من فصول الحرب الباردة.