ماذا في لقاء وزير الخارجية بالمنسقة المقيمة لمنظمة الأمم المتحدة بتونس؟    وزير التعليم العالي يعلن عن إعداد نص لتجريم الانتحال الأكاديمي    بعد المنستير وسليمان... نفوق كميات كبيرة من الأسماك بشاطئ قربة يثير القلق    بطولة العالم للكرة الطائرة للفتيات (u19): المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره الشيلي 2-3    المحسوسة بلغت 50 درجة: أعلى درجات الحرارة المسجّلة في تونس اليوم.. #خبر_عاجل    عاجل/ انتخاب رئيسة جديدة لمجلس إدارة "التونيسار"    عاجل/ رسميا: واشنطن تُلغي تصنيف "جبهة النصرة" كمنظمة ارهابية    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    وزير ينتحر بعد ساعات من إقالته!! #خبر_عاجل    باجة: حريقان بتيبار يأتيان على 5 هكتارات بين مساحات غابية ومزارع قمح    عاجل/ الحوثيون يستهدفون سفينة في البحر الأحمر    التمويل المقدم من البنوك لمرفق النقل في تونس لا يتجاوز 3.1 بالمائة من إجمالي قروضها (بيانات مالية)    الهلال السعودي يحسم صفقة لاعب أي سي ميلان الإيطالي    رئيس لجنة المالية والميزانية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم: تونس تعيش عجزا طاقيا حادّا    عاجل/ بلاغ هام من معهد الرصد الجوي بخصوص الحرارة وال"تسونامي"    عاجل/ إحداهما أجنبية: مصرع فتاتين واصابة آخرين في حادث مروّع بهذه الطريق الوطنية    القصرين: عملية ''براكاج'' دموية وتحرك أمني عاجل للإيقاع بالجناة    وسام إمبراطوري ياباني يضيء مسيرة طبيب تونسي بارز في قلب إفريقيا    عاجل/ في قضية تدليس: جرّاية يرفض المثول أمام المحكمة    كيت ميدلتون: "الأصعب يبدأ بعد العلاج"… الأميرة تتحدث عن تحديات مرحلة التعافي من السرطان    النادي الإفريقي: غدا إنطلاق تربص عين دراهم.. و29 لاعبا في الموعد    المهرجان الجهوي للمسرح بدور الثقافة ودور الشباب بولاية منوبة يومي 8 و9 جويلية    مدنين: الميناء التجاري بجرجيس يستقبل ثاني رحلة عودة لابناء تونس المقيمين بالخارج    الندوة الصحفية لمهرجان جمال: "مرتضى" في الافتتاح وأمينة فاخت في الإختتام    تسجيل 65 بين حالة ومحاولة انتحار خلال النصف الاول من سنة 2025    "إشاعات تحاصر الشواطىء".. ومعهد الرصد الجوي يطمئن    قبلي: تواصل مراقبة الوضع الصحي للواحات وعدم تسجيل بؤر مقلقة للاصابة بعنكبوت الغبار    الجامعة التونسية لكرة القدم تكشف عن مواعيد المسابقات الوطنية للموسم الرياضي 2025-2026    تنديد عربي وفلسطيني باعتقال مدير مكتب قناة الميادين في فلسطين المحتلة    بدنك شايح وناقص ''hydratation''؟ راو خطر صامت رد بالك    رد بالك من البحر نهار الثلاثاء والخميس! عامر بحبّة يحذّر من اضطرابات جوية مفاجئة    للتوانسة بالخارج : فلوسك تنجم تتحجز في المطار إذا ما صرّحتش بالعملة ...تفاصيل    طوابع بريدية جديدة تُكرّم محميات تونس الطبيعية    بطولة ويمبلدون للتنس - ألكاراز يتأهل لربع النهائي    كي تخدم الكليماتيزور في 16 درجة: تعرفش قداه تستهلك ضوء؟    جندوبة: مندوبية التنمية الفلاحيّة تتفاعل مع الشروق أون لاين    المدير الجهوي للتجارة بنابل ل"الشروق أون لاين": برنامج خصوصي للمراقبة وكافّة المواد الأساسية متوفّرة    لمواجهة الحرّ: 2 مليون ''كليماتيزور'' في تونس    النادي الإفريقي: تعيين «الجنرال» مديرا جديدا للحديقة    عاجل/ نشرة تحذيرية جديدة للحماية المدنية..وهذه التفاصيل..    فيبالك.. الي البطيخ في الصيف يولي دواء    من غير كليماتيزور ولا مروحة : الطريقة هاذي باش تخليك تبرد دارك،ب0 مليم!    كاس العالم للاندية : مبابي لم يلحق ببعثة ريال مدريد إلى ميامي بسبب اختبار المنشطات    ليفربول يقرر العودة للتدريبات غدا الثلاثاء بعد تأجيلها بسبب وفاة لاعبه غوتا    ترامب يعلن فرض 10% رسوم إضافية على الدول الداعمة لسياسات "بريكس"    بكالوريا: اليوم انطلاق التسجيل في خدمة ال SMSلنتائج دورة المراقبة    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات "تكساس هيل كنتري" إلى 82 قتيلاً    الفنانة نبيلة عبيد تستغيث بوزير الثقافة المصري: 'أودي تاريخي فين؟'    تاريخ الخيانات السياسية (7): ابن مُلجم و غدره بعلي بن أبي طالب    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    غابت عنها البرمجة الصيفية ...تلفزاتنا خارج الخدمة    وزارة الثقافة تنعى فقيد الأسرة الثقافية فتحي بن مسعود العجمي    الفنان غازي العيادي يعود إلى المهرجانات بسهرة "حبيت زماني"    عادل إمام يتوسط عائلته في صورة نادرة بعد غياب طويل بمناسبة عقد قران حفيده    نوردو ... رحلة فنان لم يفقد البوصلة    تاريخ الخيانات السياسية (6) .. أبو لؤلؤة المجوسي يقتل الفاروق    بالمرصاد : لنعوّض رجم الشيطان برجم خونة الوطن    تذكير بقدرة الله على نصرة المظلومين: ما قصة يوم عاشوراء ولماذا يصومه المسلمون ؟!..    









كلام في الثقافة: هل من شيء بعد «الرسالة»؟
نشر في الشروق يوم 26 - 11 - 2010

حين أشعلت التلفاز مساء عيد الاضحى كنت متأكدا من أنني سوف أصادف ذات الشريط السينمائي الذي تتسارع جل القنوات العربية الاسلامية في بثه بحلول الأعياد والمناسبات الدينية، حتى لكأنه أصبح شعيرة جديدة أضيفت إلى شعائرنا أو تقليدا مستحدثا لا يمكن الاستغناء عنه. أشعلت التلفاز على القناة الوطنية وصدق ظني: إنها مشاهد جنود المسلمين ترابط حول مكة وتستعد لفتحها. إنه شريط «الرسالة» للمخرج السوري مصطفى العقاد رحمه اللّه لقد شاهدت هذا الشريط مرات. كانت المرة الأولى من محظ اختياري وكانت المرات الأخرى بإرادة التلفزيون. تحولت إلى قناة «حنبعل» الخاصة فإذا هي مشاهد جنود الكفّار يتأهبون لملاقاة المسلمين عند جبل «أحد». إنه شريط «الرسالة» وإنه الشريط الذي سوف تبثه قنواتنا التلفزيونية العربية الاسلامية في مواسمنا الدينية العائدة مرات ومرات أخرى.
هنا تعود بي الذاكرة إلى بداية السبعينات زمن ميلاد مشروع هذا الفيلم وما أثاره من ردود فعل متباينة وأحيانا متضاربة.
أيّده البعض وناهض الكثيرون ممن كانوا يرون صادقين أو منافقين أن في «تمثيل» الرموز الأولى للإسلام من الصحابة أو من أهل بيت الرسول الأكرم خرقا للقدسيات أو تدنيسا لها. ثم لما ظهر الفيلم لم تنته المنازعة لكن تغيّر طبعها من «ديني» إلى «فنّي» وكنت شخصيا وأنا أحس اليوم بذنب في زمرة من انتقد الشريط وعيّره وعاب على مخرجه تأثره البالغ بالسينما الأمريكية وجنوحه السافر إلى تقليد قوالبها الشعبية. أذكر في ما أذكر هذا العنوان اللاذع لمقالة نقدية لأحد الزملاء ينعت فيها شريط الرسالة ب«الوستارن الاسلامي» والوستارن كما يعلم الجميع هو قالب من قوالب السينما الأمريكية يصور بأسلوب نمطي التصرف العنيف لرعاة البقر في القرن التاسع عشر في أمريكا الشمالية.
٭ ٭ ٭
ثلاثون سنة أو يزيد ونجاح شريط «الرسالة» في تزايد، لم تستنفده إعادات البث التلفزيوني ولم تستهلكه. إنه عمل طلائعي سابق لعصره مستشرف لانتظارات جماهير العرب والمسلمين، لا فقط لأنه انصهر ضمن تحول فكري كوني جعل من المسألة الدينية المسألة المركزية في القرن الواحد والعشرين٭ بل لأنه أظهر الاسلام في صورته الحقيقية كدين انساني يضع رفعة الانسان وكرامته في قلب اهتماماته، وهو دين التوحيد الذي يضع المخلوق في علاقة مباشرة مع الخالق فيشتد وعيه بمسؤوليته ويقوى تعلقه بحريته، وهو دين وحدة يدعو إلى العدل والمساواة بين البشر وهو دين تسامح واعتدال.
لكن القيمة الأولى لشريط «الرسالة» يجب البحث عنها في الجرأة الهادئة التي يتوخاها المخرج لمحاولة تحطيم تمثال الخوف الذي مازال يسيطر على إرادة المثقفين والمبدعين العرب ويمنعهم من تمثل ذوات المسلمين الأول وتصويرها فتجسيد حمزة عمّ الرسول الأعظم أو خالد ابن الوليد أو أبي سفيان زمن كفره أكسب هذا الفيلم عمقا وأعطاه واقعا دون أن يسقطه في الواقعية المؤدية إلى التشبيه، وتلك دون شك تحسب لمصطفى العقاد وتبرز حرفيته وذكاءه الكبيرين واللذين مكّناه أخيرا ولعل ذلك من فوائد تأثره بالسينما الأمريكية من أن ينهي شريطه على نفحة متفائلة منعشة.
٭ ٭ ٭
ثلاثون سنة أو يزيد مرّت على ظهور شريط «الرسالة» لم تنتج السينما العربية خلالها شريطا واحدا يضاهيه أو يعادله قيمة.
لا شكّ أن أسباب هذا العقم عديدة ولا شك كذلك أن أهمها هو ظهور الحركات الاسلامية التي فرضت تشددا أفقر رؤانا لتاريخنا الاسلامي بعد أن فرض عليه مسحة تقديسية كسّرت أجنحة الخيال وارتهنت الفكر الناقد المبدع.
إنه من الغريب حقا ان تستقيل النخب من مهامها في محاولة تمثل تاريخنا وتجسيد شخصياته ورموزه بما يتقدم بوعي الجماهير ويطوّر مفهومها لتاريخ دينها ويعمق إدراكها لرسالته الحقيقية. غريب والأغرب منه أن تدّعي هذه النخب رغم هذا العقم الواضح انصهارها في الحداثة. أليس عنوان الحداثة اليوم الصورة؟ أو ليست الصورة عنوان استقلالية الشعوب ورمز قوتها؟
لقد حرص المرحوم مصطفى العقاد على أن يجعل شريطه تجسيما لوحدة الثقافة العربية الاسلامية فجمع فيه أبرز وجوه المسرح والسينما في ذلك الوقت وزاد فشرّك أشهر النجوم العالمية صيتا حتى يضمن رواج عمله في العواصم الغربية ووصول رسالته إلى متلقيها ممن لم يكونوا يعلمون أو يرفضون العلم ان الاسلام دين السلم والاعتدال والمساواة بين المرأة والرجل.
٭ ٭ ٭
لقد حكم تشتت العرب المسملين وخمول نخبهم وضعف تنظيماتهم وغياب منظماتهم الثقافية على شريط مصطفى العقاد باليتم فضاعت بذلك فرصة يزيد اليوم عمرها على الثلاثين سنة للتقدم بالسينما التاريخية الاسلامية. ووقع التفريط في انتاج كان يكون خير مرتكز لثقافة إسلامية تقدمية وخير سند لتأنيس أطفالنا وشبابنا بتاريخهم تأنيسا متوازنا. إن السينما اليوم أداة تعليمية أثبتت نجاعتها البيداغوجية العالية فلا غرابة أن يقع فرضها على مدرستنا وقد أصبح حضورها مألوفا في المدارس الغربية.
مرحبا بالسينما في مدرستنا لكن أين الأفلام؟
٭ ٭ ٭
رحم اللّه مصطفى العقاد. لقد ترك لنا شريطا ما لو تمسكنا به لن نبدع بعده شيئا أبدا.
٭ ينسب للكاتب الفرنسي اندري مالرو André Malraux مقولة «إن القرن الواحد والعشرين سيكون دينيا أو لن يكون»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.