الآن وقد اقتربت الدورة العاشرة فلا بد من طرح المسائل بكل وضوح لأننا نريد أن يستمر الملتقى ويشع وهو من الفرص القليلة التي تتاح للجهة كي تكون نقطة اهتمام ثقافي وتكشف مخزونها الثقافي الثري ولا بد أن تكون الدورة حدثا حقيقيا يثلج صدور المشرفين والجمهور الثقافي وكمنسق لهذا الملتقى فإني أطلب من المشرفين: الإذن لي فورا بالشروع في الإعداد للدورة بشكل رسمي خصوصا وقد رفعت بعض المقترحات المبدئية كما ألتمس توفير بعض الظروف الملائمة من بعض الأطراف... فليس من المعقول ونحن نستعد لحدث مغاربي أن أصل قبيل الافتتاح بدقائق واضطر للعمل في صباح اليوم الثاني من الملتقى بسبب ظروف العمل وأنا المنسق وهي الظروف التي جعلتني لا أطلع على النصوص المشاركة لا في مستوى الفوز أو التسابق... هل كان هذا السلوك سيسلك مع شخص آخر في جهة أخرى في مناسبة كهذه؟ (...وهذا بعض ما ألفت إليه كمنسق في خصوصي وأكتفي بهذا القليل المؤلم). توسيع عدد أيام الملتقى خصوصا وأن الأمر يتعلق بدورة العشرية وما ضر لو تحول الملتقى إلى مهرجان وسبب هذه الدعوة تمكين الجمهور من الاستماع إلى الحاضرين أكثر فليس من المعقول أن نستضيف البعض لأجل دقائق قليلة؟ ثم أن ازدحام فقرات الملتقى صار مقلقا ومتعبا والضيوف في حاجة إلى الراحة. التركيز على دعوة أسماء كبيرة وذات حضور جماهيري... تطوير مشاركة الطلبة في الملتقى فليس من المعقول أن تكون مساهمة الطلبة في ملتقى أدبي تتركز حول الرقص في الليلة الثانية التي اعتاد فيها الحي الجامعي استضافة الضيوف لعشاء عادي مصحوب بحفل موسيقي محلي. إذا كان تنفيذ هذه المقترحات أمرا بسيطا وتنظيميا فإن المعضلة الكبرى تكمن في الإمكانيات.. ولست أدري لماذا لا يلتف البعض حول هذا الحدث الذي شرفت دوراته الجهة وعرفت بها؟ فإذا نظرنا إلى الواقع المحلي ألمتنا الظروف وسقط بعض اللوم عن المشرفين إذ ليس لنا في الحقيقة هامش كبير لمطالبة فريد البكاري ولا مصطفى العلوي بتقديم ملتقى أفضل في ظل الإمكانيات المحدودة وفي ظل غياب تحمس المثقفين لتطوير المشهد الثقافي وأغلب المساهمين يأتون لأجل المكافأة أو التسلق المعتاد أو الولائم لا برغبة في مشهد ثقافي أفضل... لأننا في دورة عاشرة ولا بد من أسماء كبيرة تقتلع النخب من أماكنها وتجلبها ولا بد من أمسيات شعرية تاريخية ولا بد أن يتدافع الجمهور أمام الشعراء الضيوف ولا بد من دوي الكلمة الشعرية... لا بد من تلفزات وإذاعات كتلك التي نراها في ملتقيات أخرى ولا بد من معارض كبيرة خصوصا وأن هذا الملتقى هو التظاهرة الثقافية الكبرى في الجهة ككل... ولكن البنية التحتية التي مرت فيها دورات الملتقى لا تسمح حتما... وهي عامل الضعف الأشد وطأ على الملتقى حيث يحشر المشاركون في قاعة اجتماعات إدارية أظنها تغلق بالمزلاج في وقت تعقد فيه جهات وأطراف أخرى أنشطتها في فضاءات أسطورية حيث الأبواب الهوائية والمصادح الرقمية والمقاعد المريحة.. أما الإقامة والتغذية فأمرهما لا يختلف وأشد سوءا وخجلا (ضيوف من الداخل والخارج ومن مستويات مرموقة يزورون مدينة الكرم والخروف يقادون إلى مطاعم شعبية مكتظة أو يعد لهم الحي الجامعي عشاء عاديا وحصل مرة أن اضطرّ مدير دار الثقافة للبحث عن عشاء في مطعم آخر لعدد من الضيوف لم يجد لهم نصيبا...) زد على هذا أن تنظيم ملتقى مغاربي ودعوة وجوه من هناك يتطلب دفع معاليم سفرها ومكافآتها بشكل محترم ولا أتصور ميزانية هذا الملتقى تكفي لدعوة وجوه أدبية كبيرة من مختلف الأقطار المغاربية وهي مشكلة عميقة ولست أدري لماذا يحجم بعض رؤوس الأموال الجهوية واتحاد الكتاب عن دعم هذا الملتقى علما أن اتحاد الكتاب (مركزيا) مازال بهيئاته المتعاقبة يتجاهل هذا العرس الشعري تجاهلا تاما ورفض البعض حتى الرد على رسائل الملتقى... ولا يعرف أن ثمة فعلا من لا يرغب في أن تحتضن الجهة حدثا كهذا خصوصا ونحن نفتخر بشدة أن هذا الملتقى هو أول ملتقى للشعر المغاربي في تونس وهي المعلومة التي يتغاضى عنها البعض وأن حاولت ملتقيات أخرى لاحقا تقليد التوجه المغاربي... فالملتقى مازال بعد سنوات لا يستطيع دفع تذاكر نقل الضيوف القادمين من الأقطار المغاربية ومازال الاتصال بالكتاب يتعطل بسبب تذكرة الطائرة ومازال محمد فريد البكاري يرتبك خجلا ويطلب المعذرة كلما سلم الإخوة الضيوف مستحقاتهم الهزيلة... هل بعد ذلك نطلب منه دعوة أسماء كبيرة؟ هل هذه الظروف المتاحة تسمح بدعوة أسماء كبيرة؟ إن نجاح الملتقى في الحصول على تمثيل مغاربي وتمكنه من استضافة بعض الوجوه المغاربية الفاعلة في مشاهد جهاتهم رغم ما يمكن قوله على قيمتها الأدبية يعد مكسبا وتميزا خصوصا أن جهات كبيرة صارت تفشل في جلب الأسماء الكبيرة فما بالنا بسيدي بوزيد وهي تنجح في جلب وجوه تحمل صفات محترمة (رئيس اتحاد كتاب رئيس ملحق ثقافي رئيس ملتقى...) إن هذا الملتقى أكبر من الإمكانات الممنوحة له ومن البنية التحتية المتوفرة... وأكبر من المناخ الثقافي للجهة ومن العقليات التي يتمسك بها البعض... أولئك الذين ينظرون بمقاييس ضيقة ويحرصون على نصيبهم من الشعر والمكافآت والولائم وهم أبعد عن الشعر وتجاربهم ضحلة... أولئك الذين يتهتكون على النبيذ معتقا كما قال نزار... أولئك الذين ينظرون إلى الثقافة بشيء من التجاهل... أولئك الحريصون على مراسم ثقافية بالية ومرفوضة ومضحكة... أولئك الحريصون على مصالحهم الضيقة ولو كانت ورقة مالية واحدة... فلا يعملون على تطوير الملتقى ولا يدفعون نحو التخلص من الرداءة.. أولئك الذين ينظرون إلى الملتقى على أساس كونه ملتقى دار الثقافة أو فلان وعلان والحال إنه ملتقى كل الجهة.. إنها ملاحظات مهمة أقولها حالما بأن يصبح هذا الملتقى أفضل ملاحظات من أجل عودة الحلم الذي انطلقت منه التجربة بعيدا عن مجاملات البعض لأني أريد بهذا الملتقى وبالمشهد الثقافي بالجهة خيرا... ...إن تظاهرة ثقافية مغاربية ناجحة تتطلب مساهمة أكبر من مساهمة مندوبية الثقافة أو المجلس الجهوي... إننا نحتاج إلى صراحة وحماس مثل ذلك الذي تحدث به مصطفى علوي في كلمة افتتاح الدورة الفارطة كي نرتقي بهذه التظاهرة الثقافية وتكون دورة العشرية في مستوى الطموحات خصوصا أنها ستكون احتفالا أدبيا مغاربيا بالسنة الدولية للشباب... صدفة مررت عبر المقهى وكانت المدينة تحتضن فعاليات الدورة التاسعة من الملتقى فقابلني صديقي البغدادي وتطرق حديثنا إلى الملتقى... واللقاء بالبغدادي القديم يذكرني ببدايات الملتقى ودوراته الأولى حينما كان تحديا وحلما كبيرا وكنا نعيشه بكل جوارحنا وكنا نركض من أجل تحقيق الحدث ولكن اليوم تبدلت الأمور وغادر صديقي أسوار الثقافة أما أنا فتقلص دوري استجابة لرغبات البعض وضغوطاتهم... تذكرت وصديقي بشيء من الحسرة والألم الحماس القديم لهذا الملتقى والأحلام التي كنت أطرحها في الكلمات الافتتاحية وتذكرنا الوجوه الكثيرة التي مرت في البدايات وكنا نحلم أن الدورات اللاحقة ستكون أحداثا شعرية كبيرة لكن الرياح جرت بما لا نشتهي... صحيح أن نقدا كثيرا لهذا الملتقى هو من باب التجني لأنه مازال الأفضل من ملتقيات كثيرة ولكن لا بد أن نعترف أن الملتقى تراجع نوعا ما...