بتنظيم من جمعية مركز الرواية العربية احتضنت المكتبة الجهوية بقابس مؤخرا جلسة أدبية احتفاء بالاصدار الجديد للأديب عبد القادر لطفي مسرحية «ابن الاغلب» حضرها عدد كبير من أصدقاء الكاتب وفرسان الكلمة، وتم خلال الجلسة تقديم مداخلات من قبل الاساتذة محفوظ غزال ودبية دبية والروائي منير الرقي ومحمد صالح مجيّد قبل فتح باب النقاش للحاضرين فكلمة الأديب عبد القادر لطيفي الذي عبّر عن سعادته الكبيرة بهذا اللقاء والاهتمام بكتابه وختمت الجلسة بالتوقيع على نسخ من المسرحية، وقد قام الروائي خالد الاسود بتنشيط الجلسة الادبية التي اتسمت اجواؤها بالدفء والحميمية. المسرحية تثير في قارئها خواطر جمة وترحل به في عوالم متخيلة رغم محاولة كاتبها بايهامنا بتاريخيتها ففي مكان ما... بين الأدب ومرونته والتاريخ وصرامته، تتشكل مسرحية ابن الاغلب على خيط رفيع بين العالمين وقد حاول المؤلف ألا يميل بأن يحفظ الصلة بين أدبية النص وتاريخية الشخصية والمرحلة وينطلق سؤال «بريء» أي العباءتين ستغلب الاخرى: عباءة الأديب أم المؤرخ؟ إنها مسرحية حديثة الطباعة صدرت قبل أيام قليلة عن دار الاطلسية للنشر بعنوان «ابن الاغلب الامير الرهيب» في تجربة مسرحية هي الاولى للمؤلف عبد القادر لطيفي الذي أصدر من قبل بعض الروايات والمجموعات القصصية من أهمها روايته «الامبراطورية» فكان الكاتب لا يطمئن الى جنس أدبي بعينه، أو هو يتربص بكل جنس ليستفيد من امكاناته التعبيرية المميزة له. المسرحية تتناول مرحلة حكم الاغالبة في البلاد التونسية وقد امتدت من 184 الى 296 هجريا من خلال الشخصية الرئيسية وتتبع حركتها من منصب الولي الى الامير فالتنازل عن الامارة بعد صراع درامي محتدّ تعددت أطرافه، وهذا الاستلهام للتراث يذكرنا بأثر تونسي آخر هو مسرحية مراد الثالث للحبيب بولعراس وبين الأثرين من الوشائج الكثير رغم اختلاف المرحلة التاريخية التي وظفها الكاتبان. عنوان الكتاب واضح الى حد المباشرة، غامض الى حد الإلباس على القارئ، وضوحه يتجلى في اتصاله بشخصية تاريخية هي الأمير ابراهيم بن الأغلب ثامن امراء آل الأغلب، أما الغموض فمن خلال تعدد الأبواب التي يمكن ان نتناول من خلالها الشخصية في كتاب أدبي سيعكس حتما رؤية الكاتب وأفكاره وليس كتاب «تاريخ تأريخ» يحاول الالتزام بالحقيقية. اللغة تناسب المرحلة التي اختارها اللطيفي فهي تراثية الى حد كبير تناسب القرن الثالث هجري ليجعل المتلفّظ منسجما مع الشخصية وبيئتها، لغة استعملها باقتصاد كبير في الحوار والاشارات الركحية دون بذخ او تكلف. قدم اللغة لم يعق العمل عن طرح أسئلة تتصل بالحاضر، فقد اختار الكاتب ان يعود الى التراث العربي «بلاد افريقية» بالتحديد، من أجل إعادة الاتصال بالتاريخ اتصالا حيويا تفاعليا في توظيف لا يتجاهل حركية التاريخ والأبعاد الانسانية في أي تجربة فما أثاره اللطيفي من قضايا لم يكن منفصلا عن تطلعات الانسان العربي المعاصر خاصة أن المسرحية تفضح من خلال العنوان والغلاف ثم المتن هما سياسيا واضحا يشغل الكاتب: الحكم وشروطه، الاستبداد وعواقبه، علاقة الراعي بالرعية، التداول على السلطة، دور الرعية الشعب في ذلك... العمل يعبّر عن جهد كبير في تأليفه في مستوى البحث والكتابة وهو يترك الأبواب مفتوحة من أجل قراءات متعددة قد نتفق فيها مع عبد القادر لطيفي وقد نختلف.