لا يوجد من هو أكثر استقامة في السير في الخطوط المستقيمة من القطار في سيره على السكة دون سواها حتى أن خروجه عنها يحتلّ مرتبة الكارثة بعينها. وهو ما جعل السكة في الذاكرة العامة تعني الاستقامة والتقويم فعوض أن يقال «فلان قوموه» يقال: أعادوه إلى السكة، ولهذا لا غرابة إن سمعت بفلان خرج عن السكة أو بمدير في إدارة ما أعاد الأعوان إلى سكته وللمديرين في ما يعشقون سكك ومذاهب ولله في خلقه شؤون مثل شأن ذاك المسؤول الذي كلما قدّر الله أن يفتح باب مكتبه لاستقبال زيد أو عمرو أو كلاهما معا إلا وتقمّص شخصية «راس بابور» وملأ المكتب هديرا وحشرجة وأزيز فرامل موهما الضيف بأنه على السكة، ولا ينتظر للانطلاق في السير إلى المحطة المنشودة إلا صفارة «شاف لنقار» وهو ما يعرّفه بعضهم بتعليمات من فوق وذاك هو الكذب على الموتى والاحياء بعينه. سامح الله ذاك القارئ الكريم الذي أدخلني في هذه السكة بخطوطها الضيقة والعريضة والقريبة والبعيدة عندما هاتفني شاكيا باكيا غاضبا حانقا متألما متأسفا من هبوط قيمة الوقت هبوطا حرا إلى أسفل السافلين في هذا الزمن الذي بات يقاس بأعشار الثواني وبقيراطات الذهب. قلت هوّن عليك أطال اللّه عمرك وطيّب وقتك ما الأمر يا سيدي؟ قال لماذا لا نضع أنفسنا على السكة ونضبط أعمالنا بمواقيت ؟ قلت افصح. قال بربك بماذا تسمى دعوتنا إلى اجتماع في العاشرة صباحا ولا نجتمع إلا في الحادية عشرة والربع؟ قلت: أسميه اجتماع العاشرة صباحا بتوقيت السكة في ساعة «شاف لنقار».