يبدو أن الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد قد قرّر في لحظة تفاوضية حاسمة للملف النووي أن يعطي الخبز النووي الايراني لخبّازه وهو مطمئن الى أن خباز الكعك النووي وخصوصا الكعكة الصفراء لن يأكل نصفه بل سيجيد طبخه بالشكل الذي يرضي طهران ويجنب سخط المجتمع الدولي عليها. فبتعيين الدكتور علي أكبر صالحي وزيرا للخارجية بالانابة خلفا للوزير المقال منوشهرمتكي تكون ايران قد اختارت التفاوض مع العالم في الجولة المقبلة المرتقبة الشهر القادم واستعدّت لهذه الجولة بالشخص المناسب، فالدكتور صالحي أكاديمي وسياسي ايراني شغل منصب ممثل ايران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأكثر من أربع سنوات وقبل تعيينه في منصبه الجديد كمسؤول أول عن الديبلوماسية الايرانية شغل صالحي منصب رئيس منظمة الطاقة الذرية الايرانية منذ 2009، وهو أيضا أستاذ وعميد لجامعة شريف للتكنولوجيا وعضو في الأكاديمية الايرانية للعلوم والمركز الدولي للفيزياء النظرية في ايطاليا. ومع أن وزارة الخارجية لا تتدخل كثيرا في المفاوضات حول الملف النووي الموضوع حاليا في عهده أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي، فإنّ جولة المفاوضات الجديدة ربّما تتطلب جرعة أخرى قد يكون صالحي الأقدر على ضخّها لدفع البرنامج النووي الايراني قدما دون خلق مشاكل كبيرة مع القوى الكبرى المفاوضة. عملا بارشادات أحمدي نجاد الذي جعل من هذه القضية رمزا لاستقلالية ايران وحداثتها ومقاومتها للقوى العظمى. وصالحي الذي يبلغ من العمر 61 عاما هو من المسؤولين الايرانيين القلائل الذين عملوا في حكومة الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي ثم المحافظ محمود أحمدي نجاد، فنال تقدير الغربيين نظرا الى مواقفه المعتدلة حين عمل مع الحكومة الاصلاحية وحافظ على خط ايران المتشدّد بشأن الملف النووي وبات اسمه حاضرا باستمرار في وسائل الاعلام حيث أعلن عن نجاح تلو الآخر رغم العقوبات الدولية المفروضة على ايران في عهد الحكومة المحافظة. ورغم أنه وقع البروتوكول الاضافي الذي وافقت ايران بموجبه على تعزيز مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأنشطتها النووية حين كان ممثلا لبلاده لدى الوكالة ورغم أن هذا البروتوكول أغضب نجاد بعد توليه السلطة عام 2005 فإن صالحي تمكن بخبرته وكفاءته العالية من كسب رضا رئيسه، وهو الذي خاطبه في قرار التعيين بالقول نظرا للالتزام والعلم والخبرة القيّمة التي تتمتع بها، فإنّه تم تعيينك في منصب وزير الخارجية بالانابة. فالوزير الجديد الذي يتقن العربية والانقليزية ويكتسب مهارات علمية كبيرة يتقن أيضا ألاعيب السياسة واستحقاقاتها. وبات الانطباع السائد لدى الكثير من المراقبين أنه الرجل المناسب في المكان المناسب وفي المرحلة التاريخية المناسبة. وفضلا عن استحقاقات التفاوض مع القوى الكبرى بشأن الملف النووي، فإن صالحي يقف اليوم أمام تحدّ آخر وهو اصلاح علاقات ايران بعدّة أطراف بعد أن تعرضت ديبلوماسيتها الى ضربات قوية في افريقيا حيث قطعت غامبيا علاقتها الديبلوماسية مع ايران إثر اكتشاف شحنة أسلحة مصدرها طهران في ميناء لاغوس النيجيري كانت في طريقها الى غامبيا. أما نيجيريا فرفعت القضية الى مجلس الأمن وأخيرا استدعت السينغال سفيرها لدى طهران بعد أن تلقت تبريرات غير مقنعة بشأن هذه القضية بينما حاول الوزير المُقال منوشهر متكي احتواء الموقف بجولة افريقية فاشلة. ربما كانت سببا مباشرا في اقالته حيث تلقى قرار الاستغناء عنه وهو في داكار. وأيّا تكن الأسباب التي جاءت بعلي أكبر صالحي الى الخارجية الايرانية فإن الوزير الجديد سيحمل وزر سياسة خارجية مثقلة بالقضايا الشائكة وهو مطالب بأن يرفع بلاده مكانا عليّا وأن يمنحها اشعاعا أكبر.. ويصالحها مع محيطها ومع المجتمع الدولي.