ما من احد يجرؤ على المرور من ذلك المكان منذ حدوث جريمة قتل حمزة. دماؤه التي جفت واختلطت بالتراب رسمت فصولا حزينة وخلفت حيرة وتعجبا، ورسمت العبرات على وجوه أقاربه تفاصيل فاجعة غير منتظرة... المعمل الذي كان يشتغل فيه أغلق أبوابه وأوقف آلاته لان أفضل العاملين فيه لم يحضر فتحول من فيه الى موكب العزاء والدفن وفي منزل والديه لم يتوقف البكاء...هناك اختلطت العبرات وعندما تجف المآقي تبح في الحناجر العبارات. لم تكن هذه اللوحات القاتمة سوى احدى فصول هلاك الشاب حمزة القاسمي (25 سنة) في جريمة قتل فقد اعترض شابان سبيله أثناء عودته من العمل برفقة خطيبته مساء الاثنين وحاولا سلبه هاتفه الجوال لكنه قاومهما وعندما حاول الفرار لحقا به وطعناه طعنة أودت بحياته. «الشروق» كانت نشرت الخبر في عددها الصادر يوم 15 ديسمبر، وجاء فيه ان شابين قتلا شابا (25 سنة) بسكين اثر محاولتهما سلبه هاتفه الجوال وذلك عند مروره من مسلك قرب السجن المدني بالقيروان رفقة خطيبته التي تمكنت من الفرار. وقد تمكنت الشرطة العدلية من إيقاف المشتبه فيهما في ظرف وجيز كما تواصلت التحقيقات في جريمة القتل. الحادثة تحولت الى محور حديث القاصي والداني. وسعيا منها لرفع ما التبس من معطيات وغموض، تحولت «الشروق» إلى منزل الهالك واستقت التفاصيل وتقصت اثر الفاجعة. أبعد خطيبته يقع منزل والدي الهالك حمزة القاسمي بحي النور الشعبي بالقيروان. كان هدوء الشاب رشدي (36 سنة) يخفي حزنا دفينا. وبين ان شقيقه حمزة كان يعمل بأحد المعامل بجهة القيروان منذ نحو عام ونصف. وأوضح انه تعود ان يسلك طريقا مختصرة الى المنزل برفقة خطيبته. يتوقف لحظات يستجمع التفاصيل ثم يؤكد انه لم يفهم ما حدث ولم يصدق ان شقيقه قتل ظلما بتلك الطريقة. شاكر (شقيق حمزة) لديه تفاصيل أوفى عن الحادثة. وقد رسمت الفاجعة على وجهه علامات الحزن واكد لنا نقلا عن صديق شقيقه الذي كان شاهدا على تفاصيل الجريمة ونقلا عن خطيبة الهالك، ان حمزة كان في طريق العودة من المعمل برفقة خطيبته التي تشتغل بدورها في نفس المعمل. وأضاف ان شابين (في بداية العقد الثالث من عمريهما) اعترضا سبيلهما وحاولا سلبهما هواتفهما. يمرر كفيه على ندوب رسمتها الفاجعة على وجهه ويكفكف دموعا لم يقو على حبسها. ثم يواصل قوله ان المشتبه فيهما طلبا من حمزة في البداية سيجارة وعندما اخبرهما بانه لا يدخن لكمه احدهما ثم طلبا منه تسليم هاتفه الجوال فرفض رغم التهديد. وعندها حاول ابعاد خطيبته عن مسرح الأحداث فهربت بعيدا نحو منزل والديها، اما حمزة فظل يحاور المشتبه فيهما ويتوسل اليهما ان يتركاه في حال سبيله لكنهما رفضا وهدداه. فاجعة دامت المحاورة والمقاومة بضع دقائق حاول خلالها حمزة الفرار وحاول الاتصال باحد أصدقائه (محمد علي) الذي كان في مقهى قريب. ولاحقه المشتبه فيهما لكن في لحظة الفرار انزلقت قدمه. فسقط أرضا وعندما تمكنا منه غرزا في جسده سكينا أصابت جانبه الأيمن ثم تركاه مضرجا في دمائه بين الموت والحياة. وذكر شاكر ان محمد علي حاول إنقاذ حمزة، فاتجه المشتبه فيهما نحوه واشهرا في وجهه سكينا وعندما حاول الفرار أصابه أحدهما على مستوى إحدى يديه. كما روى شاكر ان شابين لحقا بصديق شقيقه ورجما المشتبه فيهما بالحجارة فاجبراهما على الفرار. وذكر شاكر ان محمد علي وجد حمزة على قيد الحياة واتصل بالإسعاف فتم نقله الى المستشفى لمحاولة إنقاذه...لكنه فارق الحياة بعد لحظات. غابت البسمة يوم تشييع جنازة حمزة تحول العمال ومديرو المعمل الى منزل الهالك وتوقف العمل واختلطت دموع الجيران والأصدقاء. وبعد ان كان حمزة سببا في الفرح وإدخال البسمة على الأهل والأصدقاء غاب عنها فتحولت حياة من يحيط به الى دموع. «كان يدخل ضاحكا ويصنع البسمة ويخفف علينا»، يؤكد الوالد محمد وهو يعدل وضع برنسه الذي يخفي رأسه، واكد انه ليست لابنه مشاكل بشهادات رؤسائه وزملائه في العمل. وبينت الوالدة خديجة انها غير مصدقة ان فلذة كبدها فارق الحياة بتلك الطريقة. وأضافت الوالدة ان حمزة هو طفلها المدلل ولا يحلو للعائلة طعام الا بحضوره. كما قالت فقدت بعد فراقه لذة الحياة. a وذكر الأشقاء ان حمزة كان يجد في العمل ويعد نفسه للزواج في اقرب وقت وأكدوا ان طريقة وفاته كانت اكبر فاجعة تتلقاها العائلة وبينوا انه ليست لديهم عداوة. وطالبوا بتوفير الإنارة لذلك المسلك المظلم وتهيئته كما طالبوا بإحداث مراكز أمنية إضافية وتكثيف الدوريات الأمنية. أحد أصدقاء حمزة (زياد) وقبل مغادرتنا منزل الهالك اكد لنا ان حمزة يكره العنف وانه كان يتميز بطيبة قلبه وصفاء نفسه وانه كان يعفو عمن ظلمه ويطلب الصفح ممن أساء اليه. وختم بالقول بان الابتسامة كانت لا تفارقه وانه كان محبوبا مضيفا «لقد خسرنا صديقا وجارا طيبا». وكانت فرقة التدخل السريع والشرطة العدلية تمكنت من إيقاف المشتبه فيهما في وقت وجيز وهما في جلسة خمرية. وقد اعترفا بقتل حمزة كما اتضح أنهما من أصحاب السوابق علاوة على ان في رصيديهما عمليات سلب منها ثلاث عمليات اعتراض سبيل قبل ارتكابهما الجريمة بلحظات. وقد تواصل إيقافهما على ذمة التحقيق في جريمة القتل وعدد من القضايا التي يشتبه بتورطهما فيها كما تم الاستماع إلى عدد من الأطراف من بينهم شهود عيان.