كان الظلام يلف القرية ويغشى المنزل بينما واصل المعزّون تدفقهم على منزل الهالك لا ليقدموا التهاني بالعيد بل ليقدّموا عبارات العزاء. يواسون اشقاءه وزوجته كل ليلة منذ الحادثة. وبينما كان هاتف الهالك لا يتوقف عن الرنين وهو يتلقى التهاني بالعيد يزيد العائلة حزنا وبكاء. يوم العيد شيّعت الأسرة جنازة الإبن وامتنعت عن الفرحة كما امتنعت القرية عن ذبح أضاحيها وتلقى أفراد العائلة التعازي بدل تهاني العيد. بينما غابت احدى العائلات عن المنطقة. «إنها اشبه بقصة قابيل وهابيل» يؤكد أحد أقاربه وهو يصف تعرض قريبه الى القتل على يد صهره بينما أكد آخر أنها حادثة لم تشهد لها القرية مثيلا. هذه المأساة دخلت منزل الهالك الحبيب النابتي (43 عاما) الذي لقي مصرعه على يد صهره وفق اعتراف الأخير أثناء تسليمه نفسه بعد ان أصابه بصخرة ضخمة على رأسه وهو متكئ الى جذع زيتونة بضيعته قبيل ساعات من عيد الاضحى بالقرب من منزله بقرية الشريشيرة من معتمدية حفوز (نحو 10 كلم جنوبا). وقد تحوّل ممثل النيابة العمومية للمعاينة كما سلّم المشتبه فيه نفسه الى أعوان الحرس الوطني بحفوز الذين أحالوه أول أمس الاربعاء الى التحقيق (ابتدائية القيروان). الواقعة جدّت ظهر الخميس 26 نوفمبر قبيل ساعات من عيد الاضحى عندما كان الهالك الحبيب (43 عاما) بصدد رعي قطيع الغنم في ضيعته بمنطقة الشريشيرة. وقد عثر عليه احد أشقائه ملقى على الأرض مضرجا في بركة من الدماء بعد ان طلبه بواسطة الهاتف ليجلب له فطور الغداء. تم الاتصال بأعوان الحرس الوطني الذين تحوّلوا على عين المكان كما تحوّل وكيل الجمهورية لمعاينة جثة الهالك قبل الإذن بعرضها على ذمة الطبيب الشرعي للتعرف الى سبب وزمن الوفاة في حين سلّم المشتبه فيه وهو صهر الهالك نفسه الى الجهات الأمنية التي أحالته الى التحقيق صباح الاربعاء. وسعيا منها لتقصي أوفى التفاصيل عن الأسباب الكامنة وراء الواقعة «الشروق» اتصلت بمنزل الهالك ونقلت تفاصيل الحادثة ومراسم الأحزان. تقع منطقة الشريشيرة على بعد نحو 35 كلم غرب القيروان على امتداد الطريق كان السيد الطاهر النابتي ابن عم الهالك الذي أقلنا الى منزل الهالك يحدثنا عن جمال المنطقة وامتيازاتها مؤكدا ان الواقعة كانت كارثة لم تشهد لها منطقة الشريشيرة الممتدة وسط غابات الزيتون في سكونها المعروف. عندما وصلنا المنزل كان عدد من الأقارب قد سبقونا إليه يواسون اهل الفقيد. السيد عثمان النابتي (42 عاما) شقيق الهالك، كان يخفي أحزانه بين «قشابيته» الداكنة فاجعة العيد رسمت على وجهه خطوطا طويلة من الحزن، يشبك أصابع يديه تارة ويرسلها تارة أخرى يحول أنظاره نحو صورة والده وصورة شقيقه الهالك قبل ان ينطلق في سرد الحكاية. فاجعة العيد روى عثمان انه كان في مدينة القيروان بصدد قضاء بعض الشؤون برفقة بعض اخوته وأفراد عائلته وزوجة الهالك عندما تلقى مكالمة هاتفية على جواله يطلب منه الحضور على عجل بعد ان أعلمه المتحدث ان شقيقه الحبيب (الهالك) أصيب بإغماء. توجّه بسرعة الى مسقط رأسه لكن المتحدث عاود الاتصال به وطلب منه ان يتصل بالحرس لأن الشقيق توفي. وأكد انه لم يكن يتصوّر ان يصل الأمر الى حد القتل مضيفا «ليس لدينا مثل هذا الأمر». وروى عثمان انه سعى يستفسر عن تفاصيل الحادثة التي رواها لنا بدوره كما علمها. وذكر عثمان ان الهالك طلب من أحد اخوته عبر ارسالية قصيرة ان يجلب له الغداء. ونظرا لوجود الأشقاء الشبان في منزل مجاور فقد حمل الطعام بعض الصغار من أشقاء الهالك. وعندما وصلوا وجدوا الماشية متفرقة في أنحاء الضيعة على غير عادتها بينما شاهدوا أخاهم طريح الأرض من مسافة غير قريبة. في أول الأمر حسبوه مغمى عليه فعادوا بسرعة الى ذلك المنزل الذي تجري فيه الأشغال لإخبار من فيه ومنهم شقيقه رضوان (30 سنة) بما شاهدوه فتحوّل هذا الأخير ومن معه الا البعض الى مكان وجود الهالك وعندما اقتربوا من المكان وجدوا الهالك في «مشهد كارثي» حسب عثمان الذي ذكر كيف كانت رأس شقيقه مهشمة وهو يسبح في بركة من الدماء. فتم الاتصال بأعوان الحرس. وذكر ان الهالك كان يعمل ويقيم في احدى المدن الساحلية ويشتغل في ميدان السياحة مدة 25 سنة. وذكر أنه عند وفاة الوالد عاد لتحمّل المسؤولية وإعالة العائلة التي تتكوّن من 11 فردا بين أسرته وأشقائه وزوجة والده وأبنائها. وأكد أنها المرة الوحيدة التي خرج فيها شقيقه لرعي الغنم بسبب انشغال بقية اخوته في مساعدة الجيران في الأشغال (المرمّة). مصاهرة لم تدم طويلا أثناء البحث الابتدائي كان الباحث يسأل ان كانت هناك مشاكل قديمة و«أغراض» بين الهالك والقاتل. فنفى أفراد العائلة وجود احقاد كما نفى الجيران والأقارب ذلك. وكان لنا ان نسأل بدورنا عن الدوافع والأسباب الكامنة وراء حادثة القتل. سؤالنا وجد اجابته بيسر. وأكد السيد عثمان وجود علاقة مصاهرة بين عائلة الهالك وعائلة المشتبه فيه، حيث ان شقيق الهالك كان قد تزوّج ابنة المشتبه فيه . لم يدم الزواج طويلا فتم الطلاق بينهما بالتراضي. لكن يبدو ان الامر لم يرق لوالد الفتاة. وذكر ان المشتبه فيه (في العقد الخامس) شوهد ظهر ذلك اليوم يمرّ بالقرب من منزل «المرمّة» ثم دخل الى منزل آخر كأنه يريد ان يطمئن على شيء ما كما ذكر ان الأخير اقتنى مؤونة ضخمة لأسرته قبيل الواقعة لم يسبق له شراؤها. أضحية وضحية يقول عثمان «كان قائد سفينة وبوفاته غرقت» وحياتنا كانت تسير بصفة عادية وفي علاقة جيدة مع الجيران، وذكر ان الهالك ارسل الى شقيقته بالقيروان خروف العيد كعادته وكعادة والده. وخصص للعائلة 3 أضاح مضيفا «لقد عوضنا فقدان الأب». ظهر ذلك اليوم وقبل وفاته كان الهالك الحبيب يرسل ارساليات قصيرة ضمنها تهاني العيد وفق ما أطلعنا عليه شقيقه عثمان من خلال سجل الارساليات الصادرة والواردة وكان يتلقى بدوره التهاني حتى بعد وفاته. ويؤكد عثمان ان «العيد مناسبة لاجتماع جميع أفراد العائلة لكنه تحوّل الى فاجعة شاملة». يومها امتنع جميع أبناء القرية عن ذبح أضاحيهم وذكر ابن عمه الطاهر النابتي انه لم يقو على النوم مدة 24 ساعة ولم يذبح اي من أبناء القرية أضحيته. ويوم العيد اجتمع الأقارب والجيران والأصدقاء على جنازة الهالك. أما الخرفان المعدة للنحر يوم العيد فقد تحوّلت الى عشاء وليمة الميت. وبدل ان تقدّم التهاني تلقى أفراد العائلة التعازي. صدمة.. «إنها اشبه بحادثة قابيل وهابيل» كذلك وصف أكثر من شخص حادثة القتل مؤكدين ان الهالك كان يتكئ الى جذع زيتونة ساعة الحادثة. «كان عماد الأسرة يحب الجميع وقد أهدى أكثر من عائلة أضحية العيد وأحسن للجميع». وذكر أحد الحاضرين انه شعر أن الاصابة أصابت رأسه قبل رأس الهالك. يوم الاثنين عادت لبنى (7 أساسي) وشقيقها حمزة (ثانية ابتدائي) إبنا الهالك الى الدراسة بصعوبة في التأقلم مع أترابهما فيما لا تزال الزوجة فطيمة في صدمة مما حدث بعد ان نقلت الى المستشفى في مناسبتين. بينما أكد أكثر من شخص أنها المرة الأولى التي تشهد فيها القرية مثل هذه الحادثة واصفا إياها بأنها كارثة.