بين تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التي أكد فيها شوقه الى غزة وما جاء على لسان القيادي في حركة «فتح» عزام الأحمد الذي لوّح ب«استعادة غزة» مما أسماها «ميليشيات حماس المسلحة» خيط رفيع عنوانه صدق النوايا في تحقيق مصالحة انتظرها الفلسطينيون طويلا وضحّوا من أجلها كثيرا ودفعوا من دمهم ثمنا لها، وهاهي الأيام تمر والأعوام تطوى دون أن يتحقق لهم شيء من هذا الحلم الذي هو أساس الحلم الأكبر والهدف الأسمى وهو بناء الدولة الفلسطينية المستقلة. عباس خاطب وفد مسيحيي غزة المشارك في احتفالات أعياد الميلاد في بيت لحم قائلا: «نحن اشتقنا الى أهل غزة وافتقدناهم، نتمنى أن نلتقي بكم منذ زمن، وإن شاء اللّه نلتقي في غزة في أقرب فرصة». كلام عباس جميل ومقبول، لكنه يطرح تساؤلا مثيرا: ما الذي يمنع من لقاء أهل غزة؟ وما الذي يدفع نحو كل هذا الشوق وكأن غزة جزء من القطب الشمالي لا أحد يقدر على الاقتراب منه حتى يذوب الجليد، جليد الخلافات بين الأشقاء؟ وهذه مهمة تتطلب الكثير من الدفء لا إطلاق النار نحو الاخوة في الوطن والشركاء في القضية كما عمد الى ذلك عزام الأحمد. فما قاله القيادي في «فتح» أعاد ملف المصالحة الى المربع الأول، ووضع الفريقين «فتح» و«حماس» مرة أخرى على حافة المواجهة التي كثيرا ما تتخذ من «التراشق الاعلامي» وقودا لها. الأحمد وصف «حماس» بالميليشيا المتمرّدة التي خطفت غزة وحكومة «حماس» ردّت باتهام «فتح» بالعبث بالساحة الداخلية الفلسطينية والتنكر لنهجها النضالي بل والتماهي مع الاحتلال في مسعاه الى تدمير الشعب الفلسطيني واستئصال المقاومة.. فما الذي غنمه هذا الشعب من كل هذا التصعيد غير أصوات التهديد والوعيد من عدو يعلم الفلسطينيون قبل غيرهم أنه سيكون عليهم أقدر وبهم أشدّ بطشا إذا ما استمرّ هذا الوضع الشاذ. إنّ ما تطبخه اسرائيل اليوم من عدوان وشيك على قطاع غزة يتطلب ترتيب الأولويات على الساحة الفلسطينية بدءا بالمصالحة ومرورا بالتفاهمات الأمنية بين شطري الوطن (غزة والضفة الغربية) ووصولا الى تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على الدفاع عن حقوق شعبها وصون قضيته، فإن تدمى القلوب وتأسف لما يحدث في القطاع المحاصر لا تعدل مصافحة صادقة بين عباس وخالد مشعل والشوق الى الشهادة في غزة سيكون حتما أعمق وأصدق بكثير من الشوق إليها.