منذ سنوات، وكلّما رأيتُ مؤسّسةً من مؤسّسات بلادي تُسْنَدُ مسؤوليةُّ إدارتها إلى شخصٍ لا شيء يدلُّ على أنّه كُفْء (بدليل أنّه سُرعان ما يُزاح عنها) عاودَني سؤال مُزمن: لماذا جاء ولماذا ذهب ومن أين «دبَّروهُ» أصلاً؟ والإجابةُ غالبًا ما يُروِّجُها المعنيّ نفسُهُ: هو صديقُ فلان! أو «متاع» علاّن! أو كافأه فلتان على الأمر الفلانيّ! وهي إجابةٌ يُفْتَرَضُ أن يُعاقَبَ عليها صاحبُها، لأنّها تعني أمرًا من اثنين كلاهُما مرفوض: إمّا أنّ المسؤوليّات تُوَزَّعُ كما تُوَزّعُ الهدايا! وإمّا أنّ ذلك الشخص indéboulonnable أي باقٍ في مكانه، وعليك أن تستسلم لعبثه، لأنّه غير مُطالبٍ بالنجاح في عملِه، بِقَدْرِ ما هو مُطالبٌ بالنّجاح في لعبة «الكواليس»! دون تعميم، ومع إنصاف مَنْ يستحقّ الإنصاف، أقول إنّ هذا الصنف من المسؤولين جعل بعض مؤسّساتنا تقف في وادٍ بينما المُواطِنُ وحاجيّاتُهُ وطاقاتُهُ وطُموحاتُهُ في وادٍ! إنّهم مسؤولون لا غيرة لهم على العباد ولا على العباد! ولا عبقريّة لهم إلاّ في إقصاء الجيّدين وتقريب اللّحّاسين! كم أتمنّى أن يختفي أكثر فأكثر هذا النوع من التصرّف! وأن أرى أكثر فأكثر مسؤولين، خاصّة في المجالات التي تهمّ حياة المواطن بالدرجة الأولى وتهمّ صورته عن نفسه، يتفقّدون أولاد بلادهم كلّ صباح، مثلما تفعل كلّ أمّ رؤوم، تسأل عن هذا لماذا غاب وعن الآخر لماذا لا يظهر! بعيدًا عن ذهنيّة السلاحف، تلك التي تُصوِّرُها أفضل تصوير تلك العبارة الشعبيّة البليغة: «فكرن ولاّ يجعلو لا فكرن»!!