٭ «الشروق» السوق المغاربيّة (بن قردان): اصطلح على تسميتها بهذا الإسم «سوق ليبيا» للدلالة على ارتباطها الوثيق بالحركة التجاريّة مع الشقيقة ليبيا، هي السوق المغاربيّة ببن قردان، ومن لا يعرفها ومن لم يسمع بها بل قُل من لم يزرها، واقعها الحالي في ظلّ الرعاية التي تلقاها الوضعيات الاجتماعيّة الصعبة من قبل الدولة، تخطّى ذلك الواقع اعتبارات التجارة الموازية والمسّ من سلامة الاقتصاد الوطني إلى أبعاد أكثر انسانيّة واجتماعيّة تُراعي وضعية المنطقة الخالية أو تكاد من النسيج الصناعي (هناك 5 وحدات تصنيعيّة في المنطقة) والمشاريع الاستثماريّة الكبرى وغياب مواطن الشغل الكافية لطالبيها وخاصة من الشباب وضعاف الحال، ليس من الجهة فقط بل من العديد من مناطق الجمهوريّة. وهي كذلك مقصد لضعاف الحال من الفئات الإجتماعيّة ومن الأسر محدودة الدخل حيث تجد في متناولها فرصا للتزوّد بحاجياتها بأقلّ التكاليف وبالأسعار التي تُراعي قدرتها الشرائيّة. الجهات الإداريّة في بن قردان استشعرت كلّ تلك الأبعاد وعملت منذ سنوات على العناية بهذه السوق وتهيئتها بصفة مستمرة لتحقيق النشاط التجاري والاجتماعي المستهدف ومنفعة الناس وتحقيق الاستقرار المطلوب لمنطقة حدوديّة، هي كغيرها من المناطق الحدوديّة في العالم لا يُمكنها إلاّ أن تكون كذلك منطقة تجاريّة للمبادلات الحرّة والخالية من كلّ القيود والضوابط والعراقيل. السوق المغاربيّة تنتصب على بعد حوالي كيلومترين من وسط مدينة بن قردان على الطريق الموصلة إلى مدينة جرجيس. الأوضاع الجديدة على الحدود بعد قرارات إلغاء كلّ العراقيل والرسومات القمركيّة والتعطيلات أوجدت أوضاعا مُغايرة تمايزت عن الأوضاع طيلة السنتين المنقضيتين حيث عرفت المنطقة بعض التوتّر والقلق والمخاوف وكان لكلّ ذلك انعكاس مباشر على الحالة داخل سوق ليبيا، «الشروق» تحوّلت على عين المكان أي إلى سوق ليبيا وتنقل لقرائها هذه الصور وهذه الملامح والمشاهد وهذه الانطباعات لعدد من المشتغلين بها. الحركة بدأت تنشط من جديد داخل مختلف أروقة وممرات السوق وحتى خارجه بدت ملامح النشاط سواء بالنسبة إلى العربات الخاصة والشاحنات أو سيارات التاكسي من وسط مدينة بن قردان على امتداد الطريق الموصلة إلى فضاء السوق، وتلك هي الصورة التي اعتادتها المنطقة منذ أن تمّ تركيز سوق ليبيا في موقعه منذ أوائل التسعينات والخروج به عن وسط المدينة لتفادي حالة الفوضى التي كانت ومنح المشتغلين به والمتسوقين راحة مطلوبة. حالة الاستبشار عامّة وشاملة داخل السوق نتيجة عودة الحركيّة إلى سالف نشاطها على الحدود وتحديدا على مستوى النقطة الحدوديّة برأس جدير، وكلّ من تحادثنا معه عبّر عن تلك المشاعر لأنّ الأمر الطبيعي هو أن تكون الحدود على تلك الشاكلة مفتوحة وخالية من المعوّقات والعراقيل ممّا يُساهم في انتظام تزويد مختلف محلات السوق وانسياب البضائع داخلها. استعادة البريق وانتظارات الحركة التي كانت في وقت سابق قياسيّة حيث ذكرت مصادرنا أنّ أكثر من 3 ألاف زائر كانوا يلتحوق بالسوق يوميّا في أوقات ما قبل أزمة 2009 و2010، هذه الحركة تتّجه حاليّا نحو استعادة نسقها المعتاد وإن كان ذلك بتدرّج بطيء نتيجة تزامن القرارات الأخيرة مع نهاية العام الإداري المنقضي . ولكن الانتظارات كبيرة في أن تُعاود السوق نشاطها المُعتاد قريبا خاصّة أنّ العديد من المشتغلين بسوق ليبيا هم من خارج المنطقة ومن مدن داخلية عديدة على غرار القصرين وسيدي بوزيد وقفصة وبئر علي بن خليفة وجهات أخرى عديدة حيث تؤكّد معطيات بلدية المكان أنّ أكثر من 550 كشكا قد اغلقت نتيجة الظروف السابقة وأنّ حوالي 252 كشكا مبنية ولكنّها ما تزال خارج الاستغلال هذا إلى جانب فضاءات أخرى مهيئة تنتظر هي الأخرى استغلالها لاحقا. السيّد منتصر الأبيض (تاجر في سوق ليبيا) قال ل«الشروق» إنّ الوضع الجديد وغياب العراقيل أمر محمود جدّا لأنّه فتح الأبواب أمام استعادة النشاط وتنشيط مواطن الرزق للآلاف من المواطنين والعائلات من مدينة بن قردان وغيرها من المدن والقرى التونسيّة، وأضاف السيّد منتصر أنّ المهمّ هو حالة الهدوء في المنطقة وخدمة البلاد واستقرارها وتطوير العلاقات مع الشقيقة ليبيا، «السوق مقصد لكلّ التونسيين وهي مفتوحة لهم جميعا دون استثناء للاشتغال والعمل أو كذلك للتبضّع والكلّ يُمكن ان يجد نصيبا له سواء على «الخط» أي التنقّل إلى ليبيا أو داخل السوق المغاربيّة»، واضاف المتحدّث: «ما يجب أن يعرفهُ الجميع أنّ هذه السوق متنفّس هام ليس للمنطقة فقط بل لكلّ جهات الجمهوريّة ولذلك فهي يجب أن تلقى دائما الرعاية المطلوبة وأن يتمّ إنهاء كلّ السلبيات والمظاهر التي قد تُعيق حركته ونشاطه المُعتاد. معوّقات ومخاوف حول جملة هذه المعوّقات والمخاوف، قال السيّد لزهر لعريّض (تاجر غلال) أنّ الأمل أن لا تؤدّي القرارات والإجراءات الأخيرة إلى حالة من الفوضى أو تكدّس السلع وركودها والمنافسة غير الشريفة وهذا في اعتقاده أكبر المخاوف الحالية، ولاحظ زميله الهادي المحضي (تاجر مفروشات وزراب) أنّ أكبر تهديد للسوق هو تهريب البضائع بالشكل الكبير وكميات كبيرة في ما أصبح يُعرف اصطلاحا ب«الحراقة» هؤلاء الّذين يستغلون امتلاكهم لأموال كبيرة ولعلاقات متعدّدة، وقال المتحدّث: «المسألة تتطلّب بعض الجرأة والصراحة والمُعالجة العاجلة، المحسوبيّة ونهم بعض الأثرياء ورؤوس الأموال يضرّ بالسوق والمشتغلين بها، وهنا لا بدّ من إيقاف هذه المسألة بالسرعة والنجاعة المطلوبتين ناهيك وأنّ السوق معروفة بغاياتها الاجتماعيّة في توفير قوت يومي لمن لا شغل ولا مال له»، واضاف المتحدّث: «غير صحيح ما يروّج من أنّ الأرباح غزيرة بالنسبة إلى المشتغلين داخل السوق المغاربيّة ببن قردان، كلّ المشتغلين يعملون من اجل قوتهم وقوت عيالهم اليومي، والسوق بإمكانها أن تُواصل القيام بدورها الاجتماعي المشار إليه في حالة الوقوف في وجه المحسوبيّة و«الحرّاقة». هذا ما أكّده لنا كلّ من تحدّثنا إليه: «الحرّاقة» يهدّدون استدامة الأوضاع داخل السوق المغاربيّة ويُوجدون مخاوف كبيرة بتصرفاتهم الغريبة المنافية لكلّ الأبعاد الاجتماعيّة وحتّى الأخلاقيّة. إنارة وتهيئة من جانب آخر أشار العديد من تجار سوق ليبيا أنّ أملهم كبير في أن تعمل بلدية المكان على التصدّي لظاهرة الانتصاب خارج السوق، وقال هؤلاء إنّ ذلك يُربك أوضاع السوق. وقال السيّد فيصل إنّ الفترة الأخيرة ونتيجة الأوضاع الخاصة على الحدود عرفت تراجعا كبيرا للرحلات المنظمة التي كانت عاملا إضافيّا بل ورئيسيّا لتنشيط الحركيّة التجاريّة بالسوق خاصة مع نهاية الأسبوع وأيام العطل وأمل المتحدّث أن تعود الرحلات إلى سالف نشاطها وان يتمّ رفع كلّ العراقيل أمامها ما دامت البضائع قد تعدّت الحدود بالشكل القانوني وأنّ اقتناءها ونقلها إلى جهات أو أسواق أخرى داخل الجمهوريّة لا يمثّل أي إشكال على الإطلاق. السيّد يوسف شندول (تاجر) قال ل«الشروق» إنّ التهيئة غير شاملة وغير عامة داخل السوق من ذلك أنّ الكهرباء غير متوفّرة للجميع وهذا أمر مُقلق، كما لاحظ السيّد يوسف أنّ توقيت فتح السوق يعتبر متأخّرا نسبيّا (الخامسة صباحا) وطالب المتحدّث بضرورة التبكير بفتح السوق أمام التجار والمشتغلين بالسوق لتنظيم شؤونهم وعرض بضائعهم واقترح المتحدّث أن يتمّ السماح بفتح السوق كامل اليوم (24 ساعة ) على الأقل لمدة يومين في الأسبوع وهو أمر سيُساعد على مزيد تنشيط السوق خاصة إذا ما تمّ تعميم الإنارة والكهرباء على كامل السوق وكلّ الأكشاك والمحلات. عرض وطلب في جانب آخر انهمك الوافدون (وكان من بينهم بعض الأجانب) إلى مختلف أكشاك ومحلاّت السوق لتقليب البضائع وهي من كلّ الأنواع والأصناف (ملابس وأحذية، مفروشات وزارب وأقمشة، أجهزة الكترونيّة ومنزليّة، مواد غذائيّة وحديدية والغلال والحلويات والفواكه الجافّة وغيرها...)، وعن الأسعار فهي مقبولة وفي متناول العائلات والأسر التونسيّة أمّا عن الجودة فذلك موضوع آخر. وفي هذا المجال قال السيّد مختار السّمعلي (وهو من جهة القصرين ويشتغل بالسوق منذ أكثر من 10 سنوات): «البضائع متوفّرة والأسعار حسب العرض والطلب، ولكن البعض ما يزال تنقُصه العقليّة التجاريّة، فالانتصاب في السوق لا يعني الربح السريع والوفير بل يعني توفير البضائع وعرضها بالشكل المطلوب والاهتمام بالحريف وكلّ واحد و«قسمو». الكلّ ينتظر أن تُعاود الحركيّة داخل السوق نسقها العادي والّذي كان يعرف توافد ما يزيد عن 3 آلاف زائر ومتبضّع للسوق يوميّا. بضائع مختلفة المعاين لواقع المنتوجات والبضائع يُمكنهُ أن يُلاحظ أنّها موجودة وبكثافة كبيرة (أكداسا أكداسا) وأنّ الأسعار متنوّعة ومختلفة بحسب نوعيّة البضائع خاصة أنّ بعض التجار لم يقتصروا على البضائع ذات المنشإ الصيني المعروف بل عملوا على تنويع مصادر بضائعهم خاصة من سوريا وتركيا وكذلك من المصانع التونسيّة. سوق ليبيا تعتبر مقصدا لكلّ التونسيين من مختلف المدن والجهات اشتغالا وتبضّعا ...وهي كذلك لكلّ بضائع ومنتوجات العالم. وفي المحصلة فإنّ الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والتجارية يجب أن تلقى من الجهات الإداريّة داخل السوق وعلى الحدود العناية والاهتمام المتزايد وقد لاحظت «الشروق على مستوى النقطة الحدوديّة اهتماما ووعيا كبيرين (أمن وديوانة) خاصّة على مستوى موضوع «الحرّاقة» وضرورة التصدّي له بالحزم المطلوب وبالنجاعة المرجوّة تأمينا للغايات الاجتماعيّة النبيلة التي سمحت وبإرادة رئاسيّة لهذا الفضاء التجاري الشعبي الهام أن ينتصب وأن يتهيّأ على هذه الشاكلة المتكاملة توفيرا لمواطن الرزق وتعزيزا لفرص الشغل والانتصاب للحساب الخاص تجاريّا وخدماتيّا.