اهتزت مؤسستا التلفزة والإذاعة التونسيتان لخبر سقوط الطاغية التونسية، فتسارع كثير من العاملين فيهما بعد التخلص من وقع الصدمة عليهم لنفض غبار جريمة تهليلهم لرموز النظام الآفل عن أيديهم فترى من تملق يتنصل ومن ناصر يندد ومن هتف بحياة الملك يطالب برأسه ميتا ومن تباهى بتصدر قائمة المناشدين ببقائه، يعلن بفخر أنه لطالما نادى في أكثر من مجلس برحيله، مستهزئا بذاكرة المشاهد بكل وقاحة، ولعل اكثر ما في احوال هؤلاء القوم غرابة وأشد ما يبعث على الاشمئزاز من تصرفاتهم هو انطلاقهم في حملات منظمة يتهجمون فيها على زملائهم فتراهم يؤكدون على نضالهم ضد الظلم (وقد كانوا من دعائمه) مشيرين بأصابع الاتهام الى غيرهم من الزملاء ثم يؤكدون انهم كانوا من بين ضحايا نظام بائد أقصاهم وهمشهم (والحال انهم كانوا من المطبلين له بدرجة جيدة جدا)، والأمر من ذلك انهم يتذكرون تفاصيل مساندة رفاقهم لهذا النظام الراحل بعد طرد الشعب الحر لرموزه ويتناسون ما اقترفوا من أعمال مشابهة، تصفية حسابات؟ ربما تعبير عن خوف من المجهول؟ ربما، ولكن لا شيء يبرر في رأيي هذا النفاق الذي صادر ذكاءهم واستبلهنا كمشاهدين، أقول هذا مستحضرة مثال غريبة الأطوار آمال الشاهد التي انطلقت منذ فترة في قدح زملائها وشتمهم، متباهية ومتعالية ومهددة أحيانا. ما هكذا تثبتين أنك أحسن ما جاد به الاعلام والجميع يدرك انك لا تمتين إلى هذا القطاع بصلة لولا الصدفة وتواطؤ المسؤولين على من كرهت وحاربت من زملائك، وما هذا الذي ينص عليه ميثاق شرف الصحفي الذي يبدو انك لم تقرئي بعد وما أراك بهذا قادرة على اقناعنا بأنك الوجه الأنقى وقد لامسنا غياب النقاء في تعاملك مع سير الأحداث إعلاميا. أقول هذا وأمضي، وعزائي في من غزت السكينة صدورهم، أولئك الذين حلموا على مدى سنوات باقتلاع فرصة إثبات هويتهم الاعلامية وقد غدوا لأسباب يعلمون بعضها ويجهلون أغلبها أبواقا تهلل لنظام ليس فيه من اسمه شيء حيث حكم على العمل الاعلامي بالفوضى وحوله الى غابة يستقوي فيها الغبي ويحتكم فيها المسؤولون إلى الأقل كفاءة والأقل نقاشا لقراراتهم والأكثر بطشا برفاقهم.