أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    زاراها قيس سعيد...كل ما تريد معرفته عن مطحنة أبة قصور في الكاف    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    عيد الاضحى 2025: الأضاحي متوفرة للتونسيين والأسعار تُحدد قريبًا    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى    لأول مرة في التاريخ: شاب عربي لرئاسة ريال مدريد الإسباني    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    تشيلسي يهزم ديورغاردن 4-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    طقس اليوم: أجواء ربيعية دافئة وأمطار رعدية محلية    عاجل/ أمطار أعلى من المعدلات العادية متوقعة في شهر ماي..وهذا موعد عودة التقلبات الجوية..    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستُحدد لاحقًا وفق العرض والطلب    "نحن نغرق".. سفينة مساعدات متجهة إلى غزة تتعرض لهجوم جوي (فيديو)    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    بنزرت: إيقاف شبان من بينهم 3 قصّر نفذوا 'براكاج' لحافلة نقل مدرسي    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    تونس: تفاصيل جديدة عن متحيل يتجوّل 10 أيام كمستشار حكومي ويزور إدارات رسمية    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خاص: أحمد فريعة في حوار مفتوح مع «الشروق»: يوم 14 جانفي، أجهضنا خطة الميليشيات لجرّ البلاد الى حرب أهلية
نشر في الشروق يوم 06 - 02 - 2011

ما الذي حصل يوم الرابع عشر من جانفي، حين كانت الثورة تكتب فاتحة فجر جديد لتونس؟ كيف فرّ الرئيس المخلوع... الذي تنادت الحناجر بصوت واحد أن «ارحل»؟
ماذا شهد وماذا شاهد وزير الداخلية لساعات قبل الثورة، وهو الذي عرفناه باحثا في مجال علمي دقيق تتهافت عليه المؤسسات العالمية الكبرى وليس مجالات البحث في بلادنا فقط...
العالم والباحث في مجال الهندسة المدنية، الذي تفرّغ بعد خروجه من الحكومة بداية العشرية الماضية، الى بحوثه العلمية.
فهو صاحب شهادة براءة في الاختراع في مجال تكنولوجيات الاتصال سنة 2004، والحاصل على جائزة الاختراع في تونس سنة 1986 من وزارة التعليم (العالي)... وكذلك حصل على ميدالية التجديد العلمي سنة 2003 من جمعية أوروبية ذات الاختصاص...
الأستاذ أحمد فريعة يقول عنه طلبته بالمدرسة الوطنية للمهندسين بتونس ENIT، «أب الهندسة المدنية» «Le père de la génie civile»...
«سي أحمد» فريعة، صاحب الاختراعات والبحوث، له صيت علمي عالمي، يتفاجأ الجميع بوجوده على رأس وزارة الداخلية يومين قبل الثورة...
في هذا اللقاء الذي خصّ به «الشروق» وقد نأى بنفسه عن أي تصريح أو لقاء صحفي...يتحدث السيد أحمد فريعة ...
«الشروق» لم تكلّ عن تجديد الطلب في لقاء وزير على رأس وزارة خطيرة مثل الداخلية...
في هذا الحوار، تحدّث «سي أحمد» فريعة عن خفايا التعيين... وخفايا استبعاد «حمام دم» قال إنه شارف على الحصول لولا ألطاف الله... كما يكشف كيف اتّصل بن علي برموز المعارضة التي كانت «غير قانونية» في نظر النظام السابق، وقدّم لها تطمينات قبلتها... كما كشف أنه طالب بتمكين قوات الأمن من نقابة وذلك لأول مرّة في تونس .
كما يكشف عبر هذا اللقاء، ومن خلال أجوبته عن أسئلة ناقدة وأسئلة حيرة، كيف كان جنبا الى جنب مع الجنرال رشيد عمار، وكيف علما بفرار «الرئيس» من البلاد بعد أن تمّ الأمر...
في البداية قال لي السيد أحمد فريعة: «أودّ في البداية أن أعيد ترحّمي على شهداء تونس... ممّن سقوا بدمائهم هذه الارض لتكون ثورة تونس ثورة من أجل «الكرامة»...
فيما يعتذر «سي أحمد» فريعة، عبر الحوار وبعد السؤال، لكل من فهمه بالخطإ...
ما الذي أتى بك الى وزارة خطيرة في ظرف دقيق وخطير؟
يوم 12 جانفي كنت في اتجاه مكتبي، حيث أشرف على الدراسات المتعلّقة باحداث قرية بيئية حول الطاقات المتجددة بالجنوب التونسي، مساهمة في جلب الاستثمارات وخلق مواطن شغل لعديد الشبان خاصة من بين حاملي الشهائد العليا... والذين كان يؤلمني عطلهم عن العمل ووضعياتهم الاجتماعية، وكنت أتّصل بالعديد من المطالب، صادرة عن أولياء شباب، وشباب أنفسهم، يطالبون فيها بشغل يمكّنهم من حياة كريمة. ولما كنت في اتجاه مكتبي هذا (مكتب دراسات هندسية خاص) اتصلت بمكالمة هاتفية من قصر الرئاسة بقرطاج، حيث قال مخاطبي: «أنت في المنزل أم خارجه... أين أنت الآن».
فقلت: أنا في الشارع، في طريقي الى المكتب، فطلب مني العودة الى المنزل وقال لي بالحرف: لتتلقى مكالمة من الرئيس.
عدت ادراجي، نحو المنزل، ومع الساعة الحادية عشرة تقريبا، اتصل بي الرئيس هاتفيا وقال لي تقريبا ما يلي: «... كما تعلم تونس تعيش أحداثا مؤلمة... والشعب التونسي لم يعد يرتضي الكبت وخنق الحريات... الشعب التونسي يطالب بالحريات والديمقراطية». وأضاف: «هناك أطراف غلّطتني... ولم تقل لي الحقيقة... وسأحاسبها... وسأحاسب كذلك المفسدين... وأنا مقبل على اصلاحات جدية وعميقة على المستوى السياسي... وقد أطردت أحد المستشارين في انتظار قرارات أخرى... واني باتصال مع بعض الاطراف في المعارضة (من أحزاب قانونية وغير قانونية) وسأدلي بخطاب الى الشعب لأقول كل هذا... وسترى في الايام القليلة القادمة، جديّة هذا التوجّه... ولذا أطلب منك: «تجي تهز معانا وذن القفة» قالها هكذا بالعامية... وأضاف «تكون على رأس وزارة الداخلية» فاندهشت الى هذا العرض، وأجبته مباشرة: «هذه فعلا المطالب التي ينادي بها الشعب التونسي... ويرغب في التجسيد الفعلي لمثل هذه القرارات» وأضفت له قائلا: «هذا صحيح... ولكن علينا ان نثبت للشعب ان هذا الامر يتحقق...ومن ناحية أخرى، واصلت اجابتي لبن علي: «أنا جامعي وبعيد كل البعد عن كل ما له علاقة بالأمور الامنية... بالعامية قلت له: «آش مدخّلني... وهذا قطاع لا أعرفه... ولا علاقة لي به...»، فأجابني بن علي: «بل بالعكس تعيين جامعي نظيف على رأس وزارة الداخلية من شأنه أن يضفي المصداقية على ما أنا عازم على انجازه... وسترى التنفيذ الفعلي لما قلته... خلال الأيام المقبلة...» عندها أجبته: «أنا جندي من جنود تونس... إذا كان الامر كذلك».
ولم أرفض أبدا في يوم، تحمّل مسؤولية والاضطلاع بأية مسؤولية فيها واجب وطني وتلبية لهذا الواجب فقد كان الأمر دقيقا...
علمنا أنه كانت هناك اتصالات بين القصر وبين قوى المعارضة التي لم يكن النظام يتعامل معها... فهل أعلمك بن علي بهذه الاتصالات؟
فعلا قال لي: نحن باتصال بكل أطراف المعارضة بما فيها المتصلّبة... دون ذكر أسماء أو أطراف.
هل هذا هو الامر الذي طمأنك وجعلك تقبل؟
نعم وقلت في نفسي، إن الأحداث التي تعيشها تونس منذ 17 ديسمبر 2010 لا تسمح بالرجوع الى الوراء وتحتّم اصلاحات عميقة... وعندما أعلم أن الاتصالات شملت الجميع (المعارضات) فإن هذا الأمر ساهم في أن أقبل العرض...
هل قابلت بن علي؟
لم أقابله قطّ... كان الاتصال يتمّ عبر الهاتف فقط.
كيف كان التكليف والتنصيب؟
بعد الظهر تم التنصيب بحضور الوزير الاول... بحيث في مساء يوم 12 جانفي، لم أتمكّن من مقابلة الا عدد قليل جدّا من المسؤولين في الوزارة واقتصر على كاتب الدولة، والمدير العام للأمن الوطني ورئيس الديوان... وعدد قليل من المسؤولين الآخرين، للتعرّف على الوضع الأمني العام بالبلاد... وتشخيص الأولويات... في اليوم الموالي أي 13 جانفي، وبينما كنت استعد لاستقبال المديرين العامين طلب مني اعداد مداخلة أمام مجلسي النواب والمستشارين... لتقديم عرض حول الوضع الامني العام... إثر مداخلة الوزير الاول... فقمت بجمع مختلف المعطيات المتعلّقة بهذا الموضوع وانتقلت الى مجلس النواب في الصباح ثم الى مجلس المستشارين بعد الظهر... حيث قدّمت العرض... حسب المعطيات التي تحصّلت عليها من مصالح الوزارة ولم تمر على مباشرتي منصبي سوى ساعات... وأكدت في مداخلتي أن جيل «الانترنيت» من شباب تونس، متعطّش للحرية والديمقراطية والمشاركة في الحياة العامة... وأن الاستجابة الى هذه الطلبات أمر حتمي لا رجعة فيه... (وهذا مسجّل طبعا)، وفي المساء كما يعلم الجميع ألقى الرئيس بن علي خطابه الاخير مؤكّدا عزمه تنفيذ ما كان قاله لي عبر المكالمة الهاتفية قبل يوم.
حسب رأيك، ما قدّمته الى مجلس النواب والمستشارين، كان حصيلة ساعات من وجودك في الوزارة، وبالتالي هل ترى أن الأرقام التي ذكرتها كانت صحيحة مثلا؟
الأرقام المقدّمة، هي التي تحصّلت عليها من المصالح المعنية... وقد كنت باشرت الخطّة على رأس الوزارة، مدّة ساعات قبل هذه الكلمة... وبالتالي عرفت أنها خاطئة... ولم أتمكّن من معرفة الأرقام الحقيقية للشهداء والجرحى، إلا قبل مغادرتي الوزارة بقليل!
حيث أن الرقم الذي أذكره (صحيحا) 134 شهيدا... على ما أذكر في حين قُلت في اللقاء الصحفي، إن الرقم حوالي «78»...
هناك أرقام لم تصل اليّ وأنا على رأس الداخلية... من الولايات خاصة...
هل خاطبك بن علي مرّة أخرى بعد دخولك الوزارة؟
كلّمني بعد أن ألقى خطابه للتعرف على ردود الفعل وأظنه كلّم العديدين، فقلت له: إن المحتوى كان في مجمله ايجابيا... غير أن التونسيين في حاجة الى التجسيم الفعلي للاجراءات والقرارات المعلن عنها... وأضفت له: «وإن كان التوقيت جاء متأخرا... وكان يمكن ان يكون ذاك الخطاب في بداية الأحداث...».
فأجابني مقاطعا، مؤكدا اصراره على تنفيذ ما وعد به الشعب...
وقد كانت عديد ردود الفعل من بعض المعارضات عبر شاشات التلفزيون تتماشى وهذ التقييم.
وقد رأينا من هم في المعارضة «الراديكالية» كما قال تدلي بتصريحات عبّرت فيها عن اطمئنانها لخطاب بن علي... وارتياحها كذلك...
يوم 14 جانفي ... يوم الثورة ماذا وقع بالضبط وأين كنت؟
كنت مبكّرا جدا في مكتب بالوزارة لأنه بلغتني معلومات مفادها أن مسيرة ستقام أمام مبنى الوزارة في شارع بورقيبة... وكان من الضروري اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي أي تجاوزات... وجعل الأمور تسير بصفة هادئة.
حوالي الساعة الثامنة والنصف صباحا (تقريبا) أعلموني بوجود السيدة راضية النصراوي أمام الوزارة بمعية مجموعة من الصحفيين تطالب باطلاق سراح زوجها السيد حمّة الهمامي الذي كان معتقلا منذ مدّة... فأذنت للمكلف بخلية حقوق الانسان بالوزارة باستقبال السيدة النصراوي بحفاوة واحترام، بمعية المدير العام للشؤون السياسية، وطمأنتها لأنني كنت عاقدا العزم على اطلاق سراح حمّة الهمامي، لاتفاق مع الوزير الاول الذي كان يشاطرني الرأي في اطار تهدئة الاجواء...
غير أن السيدة النصراوي أصرّت على البقاء أمام الوزارة.
هل قلت للرئيس عن موضوع تسريح حمّة الهمامي؟
نعم، وقال لي: لابد وأن تكون عملية اطلاق سراحه باتفاق... فهو يعتبر أن حمّة الهمامي وحزبه، لهما ضلع في الاحتجاجات التي تحصل بكامل البلاد... (يعني أراد صفقة)...
فقلت له: الظرف يحتّم اخلاء سبيله... ولابد من مبادرات في اتجاه تهدئة الأوضاع.
مع العلم وأنني أقدّر كل من يناضل من أجل قيَم يُؤمن بها... ويناضل من أجلها، حتى لو كنت لا أتفق مع تلك الأفكار... جُبلت على احترام أصحاب المواقف... وأكثر ما أكرهه هو النفاق والتلوّن حسب الظروف والمصالح الضيّقة...
لو تقدّم في «عهدك» بالوزارة، بطلب تأشيرة لحزبه هل كنت ستمضي على التأشيرة وأقصد حزب العمال الشيوعي التونسي؟
أنا أعتبر أن كل تونسي أو مجموعة من التونسيين لها رغبة في المشاركة السياسية في اطار احترام النظام الجمهوري، والقواسم المشتركة للمجتمع التونسي، من حقّها أن تنشط وأن يعترف بها سياسيا... لذلك كنت على استعداد لتمكين حزب العمال الشيوعي من تأشيرة... وغيره من الأحزاب...
حتى النهضة؟
نعم، بما في ذلك النهضة... فأنا أعتبر هذا حقا... مع ابقاء شرعية السلطة للشعب عبر صناديق الاقتراع انطلاقا من برامج ومشاريع عملية يكون الاختيار بينها للشعب...
اذن أطلق سراح حمة؟
تم فعلا، اطلاق سراح حمّة الهمامي بدون صفقة ولا اتفاق... خلال نفس اليوم...
يوم 14... ما هي الاسرار التي لا يعلمها الشعب التونسي؟
بدأ التجمّع أمام مقرّ الوزارة منذ الصباح... وأخذت أعداد الوافدين تتصاعد وكان الجميع يهتف بعديد الشعارات... المناوئة للنظام وللرئيس... اتصل بي الرئيس وقال لي إنه عيّن الجنرال رشيد عمّار للتنسيق بين وحدات الأمن الداخلي من شرطة وحرس وحماية مدنية. التحق الجنرال عمّار بالوزارة ومنذ ذلك الحين، كنت في تنسيق تام معه في كل ما له علاقة بالشؤون الأمنية.. ولم أكن أعرف سابقا، الجنرال رشيد عمار ووجدت فيه الوطني الصادق الحريص على تأمين النظام الجمهوري... والدفاع عن المصلحة العامة... وهو حقيقة من الشخصيات التي أكن لها كل التقدير.
ولما كثرت أعداد المتظاهرين وأصبحت تعد بالآلاف تهاطلت علينا من عديد الاطراف أصوات مطالبة بتفريق المتظاهرين بالقوّة، ولولا ألطاف الله وحرصي بمعية الجنرال عمّار على تفادي أي تدخل لقوات ا لأمن طالما تسير الامور بدون شغب وانطلاقا من ايماننا بأن الحق في التعبير السلمي عن الآراء باختلافها، يعتبر من الحقوق الاساسية للمواطن في اطار المواطنة، إذن لولا ألطاف الله، لسالت أودية من الدماء في ذلك اليوم، ولعاشت تونس لا قدّر الله حربا أهلية حيث كانت بعض الأطراف من ذوي المصالح مستعدّة لتسليح أعداد من الميليشيات لخلق الفوضى والرعب.
ما هو الاجراء الذي تبوّبه الدرجة الاولى في ما قمت به على رأس الوزارة خلال المدّة الوجيزة التي تحملت فيها هذه المسؤولية؟
بدون منازع، أعتزّ بأنني وبمعية الأخ رشيد عمّار، تمكّنّا من تفادي سقوط مئات الشهداء وخطر حرب أهلية وقد عرضنا حياتنا للخطر في ذلك اليوم.
كيف؟
كان يمكن أن نتعرّض للقتل..!
ممّن؟
من الذين لهم مصلحة اجهاض الثورة.. وهم كثّر..
ما هي الجهات التي كانت تضغط عليكما باستعمال السلاح ضد المتظاهرين يوم 14 جانفي؟
من كل الجهات المسؤولة.. عن تردّي أوضاع البلاد التي تطلبت ثورة الشعب..
لكن تدخل البوليس، عبر القنابل المسيلة للدموع، أعتقد أن ليس له مبرّر؟
دامت المظاهرة أمام مقرّ الوزارة ما لا يقل عن الخمس ساعات، ولم تتدخل قوات الأمن بتاتا.. وكنت بمعية الجنرال رشيد عمّار نراقب الوضع عن كثب.. وعندما عمدت مجموعة من الشبان الى تسلّق جدار الوزارة واقتلاع العلم من فوق مقر الوزارة، وكانوا على بعد بضعة أمتار من مكتب الوزير، تدخلت قوات الأمن، لأن الأمر أضحى يتعلق باقتحام مقر السيادة.. وقد كنت نبّهت لذلك عددا من الأطراف سواء كانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان حيث خاطبت الأستاذ مختار الطريفي وعمادة المحامين عبر العميد عبد الرزاق الكيلاني، كما خاطبت السيد نجيب الشابي والسيد عبد السلام جراد (الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل) والذين أبدوا تفهما لموقف الوزارة بخصوص عدم التدخل إلا في صورة اقتحام مقرّ الوزارة..
كيف تطوّرت الأمور بعد ذلك؟
كانت الأولويات تهدئة الأوضاع.. وإرجاع الأمن والاستقرار..
في ذلك الحين، هل لك فكرة بأن بن علي يحزم أمتعته ويغادر؟
لم أكن البتّة على علم بذلك.. وعلمت لاحقا أن الرئيس غادر البلاد..
كيف يكون ذلك وأنت على رأس وزارة الداخلية المشرفة على أمن المطار مثلا؟
أولا كل ما له علاقة بالرئيس وأمن الرئيس، تشرف عليه مصالح الأمن الرئاسي التي لم تكن خاضعة لإشراف وزارة الداخلية.. الأمن الرئاسي سابقا كان مستقلا بذاته بمقتضى قانون تمّ إصداره في الغرض.. وبالمناسبة لم أكن على علم بهذا القانون.. لذلك أجبرنا بعد خروج الرئيس على تسمية المدير العام للأمن، مديرا عاما للأمن الرئاسي، في انتظار تحوير القانون لأدماج الأمن الرئاسي ضمن مصالح الوزارة.
كنت مع رشيد عمّار لما فرّ الرئيس؟ كيف كان ردّ فعلكما ومن أعلمكما؟
نعم.. فوجئنا بهذا الأمر.. بهذا الخبر ولم نكن نتوقعه.. وأعلمنا من طرف المصالح المعنية.. كنا أمام وضع جديد.. وخطير..
وصلت الى الحكومة المؤقتة فكان أن لامك العديدون كيف كان خطابك متشدّدا.. خطاب لم يتعوده الناس من الأستاذ فريعة بالذات؟
فعلا، وبعد الترحّم ثانية على أرواح الشهداء، لامني الكثيرون على ما اعتبروه تشدّدا في لهجة «الخطاب» للندوة الصحفية، ولم يكن ذلك ما أقصده أبدا.. كل ما في الأمر أنني كنت أعيش وضعا متشعّبا جدا.. حيث تصل الى الوزارة طلبات إغاثة متعددة من مختلف الجهات طالبة النجدة لتعرّضها لعمليات نهب وترهيب.. بالتوازي مع حالة رعب وخوف من قبل قوات الأمن لما تتعرّض إليه من تشويه عبر وسائل الاعلام وتهديد لهم ولعائلاتهم.. فخفت على مصير الثورة.. وإمكانية بعض الأطراف السير نحو خلق حالة فراغ.. وفوضى.. فأردت أن أقول لاخواني التونسيين: نعم لا بدّ من المحافظة على مكاسب الثورة.. ولكن وبالتوازي لا بدّ من تفادي الفوضى والمساعدة على استتباب الأمن.
أما ما اعتبره البعض تشدّدا فهو تعبير عن شعور عميق بالمسؤولية تجاه الشعب والوطن، وقد فهم ذلك جيدا كل من عرفني وسامح اللّه من أراد استثمار ذلك لإعطاء صورة خاطئة ليست لها أي صلة بقناعاتي ومبادئي.
قضيت فترة من أدق فترات تاريخ تونس، كيف تقيم التجربة، وهل أنت نادم على أمر ما؟
بخصوص التقييم أحيل ذلك الى التاريخ الذي سيكشف بأكثر موضوعية مدى مساهمة كل طرف في هذه المرحلة وأعتبر أنني قمت من موقعي المتواضع بواجب وطني أعتزّ به في ظرف أغلب الناس يرفضون فيه تحمّل مسؤوليات بهذا الحجم والمحيطة بها كل الأخطار من كل جانب وأودّ هنا التذكير ببعض القرارات التي تمّت باتفاق مع الحكومة المؤقتة:
تمكين كل الأحزاب (4 أحزاب) من التي قدمت مطالب لنيل تأشيرة.. من الترخيص القانوني وهي على التوالي: الحزب الاشتراكي اليساري، وحزب تونس الخضراء وحزب العمل الوطني الديمقراطي، وحركة البعث.
كما تمّ إخلاء سبيل كل المعتقلين وتمّ تمكين قرابة 3 آلاف تونسي من جوازات سفر حيث كانوا محرومين من هذا الحق، وكذلك اعتماد مبدإ أن كل تونسي له الحق في جواز سفر.
تمّ الاذن بتخصيص ممرات خاصة بالتونسيين بالمطارات التونسية.
اتخاذ جملة من القرارات لصالح أعوان قوات الأمن الداخلي منها: الزيادة في المنح الخصوصية.
تحسين منحة العمل بالليل.. وهي منح لم يشملها التحسين منذ 1982.
وكذلك إعادة بناء وترميم مراكز الأمن التي تمّ إلحاق الضرر بها خلال الأحداث الى غير ذلك من الاجراءات.
إصدار منشور بتاريخ 15 جانفي يمنع استعمال الذخيرة الحية لتشتيت المتظاهرين والالتزام بالاجراءات المعمول بها عالميا في هذا الشأن.
اصدار منشور يمنع التنصّت على المكالمات الهاتفية إلا بموجب إذن من القضاء.
فتح كل مواقع الانترنيت ومنع الرقابة.
ماذا تقول للشعب التونسي وقد كنت على رأس أخطر جهاز وفي أخطر فترة؟
خلاصة القول، ومع الاعتذار من كل من فهم خطأ ما كنت أودّ إيصاله الى الشعب أعتبر أنه خلال مدة قصيرة. وفي الظروف التي عاشتها تونس، وهي من أصعب الظروف، حاولت أن أضطلع بمهامي حسب ما يفرضه الواجب الوطني ويقتضيه الضمير لتحيا تونس ولتحيا الثورة.. مع واجب الحفاظ على قيمها وإضافاتها الهامة لتصبح تونس نموذجا في مجال صيانة الكرامة والحرية والعدالة والتمتع العادل بثمار التنمية، وأعيد مرة أخرى أنه من ألطاف الله لم يحدث «حمام دم» مثلما يريد أعداء الثورة حصول ذلك.
استقلت وأقلت مرتين من حكومة بن علي، كيف كانت الملابسات؟
عام 92 حدث تحول في السياسة التونسية، أصبح هناك تضييق على الحرية وعلى مجالات الاجتهاد والتحرّك للوزراء في تسيير شؤون الوزارة، هناك اتجاه من قوى معروفة لخنق الحريات بصفة عامة والتنظير لنظام تسلّطي وهذا ينعكس سلبا على سير دواليب الدولة.
كنت في التجهيز؟
لاحظت أن أقل الجزئيات يقع تحريفها ويوصلوها الى الرئيس، هذا عوض الاعتناء بما يهمّ الناس.. هذا يدخل نوعا من الارتباك في العمل، قرّرت الخروج من الوزارة والاستقالة.
سمعنا بقرار الهدم؟
أمضيت على قرار هدم بناية (مقهى المنزه الخامس) في الفضاء المخصص لإنجاز محول أريانة.. على ملك المنصف بن علي وتمّ بالفعل البداية في هدم البناية (1992) وهذا أيضا خلق لي مضايقات.
صحيح أنك حاولت أن تهدم مقهى المنصف بن علي، لأنها كانت عقبة أمام محول أريانة.. ووافقك بن علي.. ثم لم يتم شيء من القرار؟
نعم أعلمت الرئيس بذلك، وقال لي طبّق القانون.. ولكن لم يُطبّق القانون وبعدها قدمت استقالتي فلم يقبلها بن علي كان ذلك في فيفري 1992 وفي جوان تمّت إقالتي من الحكومة.
لماذا؟
لأنني تجرّأت على ما يبدو على تقديم الاستقالة الى بن علي حين كان الجميع لا يقدر على رفع حتى اصبعه الصغير أمام بن علي.
حوار: فاطمة بن عبد الله الكرّاي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.