(محام وباحث في القانون العام والعلوم الإدارية) أخط هذه الخواطر وقد هدأ غبار المعركة وحان الوقت ليتوجه أبناء تونس إلى بناء مستقبلهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي وأقول منذ البداية إن هذه الخواطر هي عصارة أبحاث ومشاركات في ندوات علمية شاركت فيها وارتب هذه الخواطر كالآتي: خواطر آنيّة تهم الحكومة المؤقتة ولجنة الإصلاح (I) ثم ما يجب أن تكون عليه الإدارة في تونس وخاصة الإدارة المحلية (II). وابدأ بالإصلاح الإداري قبل الإصلاح الدستوري رغم أنّه عادة ما يقدّم علماء القانون المسائل الدستورية على المسائل الإدارية فما فجّر الثورة أو كان سببها المباشر إدارة محلية ضربتها البيروقراطية والهوس La manie وقصور النظر La myopie والبرود La frigidité بعد أن أبدي ملاحظات حول النظام السياسي المرجو (III). I- ملاحظات فورية حول الحكومة المؤقتة ولجنة الإصلاح السياسي لقد تمحور النقاش في تونس سواء بين المواطنين أو في صفوف النخبة السياسية حول الحكومة المؤقتة أو حكومة الإنقاذ الوطني أو حكومة تصريف أعمال وهي مفاهيم غير دقيقة يجب ضبطها (1) لأن اعتماد الفصل 57 من الدستور وضع النظام السياسي في تونس أمام مأزق دستوري كما أن الإعلان عن تشكيل لجنة عليا للإصلاح الدستوري والقانوني يستوجب تحديد طبيعتها (2). 1- حول إشكالية الحكومة ومهامها: لعله من نافلة القول أن النظام السياسي في تونس يصنف من بين الأنظمة الرئاسية التي تقوم على تركيز السلطة التنفيذية في أيدي رئيس الجمهورية الذي يعتبر رئيس الإدارة والقائد الأعلى للقوات المسلحة ولا وجود من الناحية الدستورية لحكومة أو وزراء بالمعنى الدقيق، غير أن التعديل الدستوري لسنة 1976 أوجد في النص الدّستوري مؤسسة الحكومة والوزير الأول وكان الهدف من ذلك إيجاد حكومة برأسين لتخفيف المسؤولية السياسية عن رئيس الجمهورية خاصة بعد تجربة التعاضد في الستينات وقد جاء الفصل 37 من الدستور أن رئيس الجمهورية يمارس السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها وزير أول، وقد ساهم مرض الرئيس بورقيبة في تعاظم سلطات الوزير الأول الذي أصبح بمقتضى الفصل 60 من الدستور رئيس حكومة بالمعنى الحقيقي كما هو في الأنظمة البرلمانية باعتباره رئيس الإدارة، لذلك كان من المفروض أن رئيس الجمهورية المؤقت هو الذي يشكل حكومته وهو الذي يشرف على سير دواليب الدولة باعتباره حسب الفصل 41 من الدستور هو الضامن لتنفيذ القوانين وحماية الدستور ولاستمرارية المؤسسات، ولا يمكن الحديث عن حكومة تصريف أعمال لأنّ هذه الحكومة تكون في النظام البرلماني عند سحب الثقة من الحكومة فتقدّم الحكومة استقالتها ولكنها تواصل مهامها إلى حين تشكيل حكومة جديدة أو إجراء انتخابات برلمانية تنبثق عنها حكومة جديدة وهو ما لا ينطبق على حالة تونس، خاصة ان الرئيس المخلوع كان قد أقال جميع الوزراء كما لا يمكن الحديث عن حكومة إنقاذ وطني لأن مثل هذا الشكل عادة ما يوجد عندما يتم التغيير خارج الدستور، إذ عادة ما يقترن تشكيل حكومة إنقاذ وطني بتعليق العمل بالدستور وهو ما لم يقع في تونس. وهنا نسوق بعض الاستفهامات القانونية حول هذه «الفرادة القانونية في تونس Curiosité juridique حول الحكومة المؤقتة التي لا أساس لها في الدستور والمأزق الدّستوري Imbroglio المتمثل في تجاوز الحكومة للمهلة التي يحدّدها الدّستور لإجراء الانتخابات الرئاسية، فقد كان على رئيس الجمهورية المؤقت التدخل لتجاوز هذا المأزق بتحديد هذه المهلة بأن يعرض مشروع قانون لتمديد المدّة الرئاسية حسبما تسمح له الفقرة الأخيرة من الفصل 39 من الدّستور باعتبار وجود الخطر الداهم إعمالا للفصل 46 من الدستور الذي من المفروض أن تكون فرضت بموجبه حالة الطوارئ، وهنا يطرح السؤال والذي يعبر في نفس الوقت عن حالة الإرتباك التي تعيشها الحكومة ورئيس الجمهورية المؤقت (وقد صدّرت الحكومة ارتباكها إلى الشارع وأرجو أن تكون قد تجاوزت هذا الإرتباك) فلا ندري من أصدر أمر إعلان الطوارئ الذي من المفروض أن يكون الرئيس المخلوع باعتبار إعلان حالة الطوارئ قد تمّ يوم الاربعاء 12 جانفي 2011 ونحن نعرف أن الأمر المنظم لحالة الطوارئ هو أمر 26 جانفي 1978، وهنا أتوقف لأبدي ملاحظة تتعلق بأن إعلان حالة الطوارئ ينتج عنها تعليق جميع الضمانات المتعلقة بالحريات العامة والحقوق الأساسية وهنا أعرج على اللغط الذي رافق إيقاف العربي نصرة مدير قناة حنبعل لأقول إنه أوقف بموجب قانون الطوارئ والذي يسمح بإيقاف أي شخص بمجرد الاشتباه وبدون إذن قضائي، إن هذا الارتباك إنّما يفسّر بما وقع من تلاعب بالدستور فحقيقة لا ندري هل أننا إزاء ثورة خارج الدستور أم أنّنا أمام نقل دستوري للسلطة. لقد كان على الرئيس المؤقت أن يحترم الدستور الذي تولى بموجبه الرئاسة المؤقتة وخاصة أجل إجراء الإنتخابات أو أن يستعمل صلاحياته الدستورية في تمديد أجل الانتخابات حسب الفصل 39 من الدستور كما أنه بإمكانه أن يصدر تنظيما مؤقتا للسلطة العمومية بموجب مرسوم حسب الفصل 47 من الدستور والذي يمكنه من تجاوز المأزق الدستوري ويسمح له في الآن نفسه بالدعوة إلى انتخابات مجلس تأسيسي يعد لدستور جديد وهو ما يجعلنا نبدي ملاحظات حول لجنة الإصلاح المعلن عن تعيينها. 2- الطبيعة القانونية للحنة الإصلاح أعلنت الحكومة المؤقتة عن تشكيل لجنة يترأسها أستاذنا الجليل العميد عياض بن عاشور أسندت إليها مهمّة إقتراح الإصلاحات القانونية ومن بينها إمكانية تعديل الدستور. وسمعنا اليوم أن هذه اللجنة سيتم تنظيمها بأمر يعني ذلك أن إحداث هذه اللجنة يدخل في إطار اختصاصات رئيس الجمهورية في ممارسة السلطة الترتيبية العامة وتنظيم الإدارة الاستشارية التابعة للإدارة النشطة وهو يضفي ظلالا من الشك حول استقلالية هذه اللجنة التي وعد بها الوزير الأول. فهل يمكن أن نطلب من لجنة استشارية أن تؤسس لجمهورية ثانية جديدة؟ لاشكّ أنّ هذه اللجنة حسبما أعلن عنها رئيسها مفتوحة لجميع الحساسيات لتقديم مقترحاتها، ومع ذلك يبقى التساؤل حول الطابع التأسيسي لهذه اللجنة فإن كان المطلوب هو وضع دستور جديد فإننا سنكون إزاء طريقة غير ديمقراطية في وضع الدستور، فنحن نعرف وكذلك طلبة السنة الأولى حقوق يعرفون بأن وضع الدستور يتم إمّا بطريقة المنح L'octroi أو العقد أو الطريقة الدّيمقراطية فطريقة المنح هي الطريقة السلطوية أي أن يتفضل الملك أو الحاكم بمنح دستور لشعبه على شاكلة عهد الأمان سنة 1857 أو دستور 1864 في تونس. أما طريقة العقد فتتمثل في وضع الدستور بالاتفاق بين الحاكم وطبقة سياسية أو غيرها ويكون ذلك إثر ثورة أو انتفاضة على شاكلة ما وقع في أنقلترا عند إصدار ملتمس الحقوق سنة 1688. أما الطريقة الديمقراطية فتتمثل في انتخاب مجلس تأسيسي أو جمعية تأسيسية، فهل تريد الحكومة المؤقتة أن تضع لنا دستورا بطريقة غير ديمقراطية فالآليات الحالية الموجودة في الدستور لا تسمح إلا بتعديل سواء عن طريق الهيئة النيابية التي ستنصب كسلطة تأسيسية فرعيةdérivé Pouvoir constitutif أو عن طريق الاستفتاء.