أتاحت ثورة 14 جانفي آفاقا جديدة لانتقال البلاد الى مشهد جديد على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وعلى الرغم من بعض مظاهر الفوضى والتداخل والاضطراب الا ان توجها عاما يجتاح الجميع من أجل تحقيق واقع جديد من المصالحة واسترداد الحقوق والتضامن الفعلي والحقيقي بين كل التونسيين والتونسيات وفتح صفحة جديدة من تاريخ البلاد. وفي إطار تحقيق مثل هذه الغايات النبيلة وتنفيذا لأحد شعارات ثورة 14 جانفي شرعت الحكومة المؤقتة في تدارس مضمون مشروع قانون يهم العفو التشريعي العام مع مواصلة تدارس وضعيات مختلف الشرائح من المساجين والمحاكمين في ظل نظام الحكم السابق. رؤية جديدة وعفو مختصّون في القانون يرون ان الوقت حان لسنّ رؤية جديدة بخصوص قضايا الشيك دون رصيد تنطلق أساسا من ضرورة ان يشمل المحاكمين حاليا في قضايا من هذا النوع (والذين تقدّر أوساط مطلعة ان عددهم يتجاوز الخمسين ألفا: 40 ألفا في السجون وأكثر من 10 آلاف بين هارب الى الخارج او مختف عن أنظار الأمن والعدالة وصولا الى إقرار تعديلات تهم الفصل 410 وما بعده من المجلة التجارية وهي التشريعات التي تجرّم صاحب الشيك دون رصيد (يعاقب بالسجن مدة 5 سنوات وبخطية تساوي 40٪ من مبلغ الشيك أو ما بقي من قيمته على ان لا تقل عن 20٪ من مبلغ الشيك او باقي قيمته) وذلك وفق آخر تنقيح للقانون عدد 37 لسنة 2007 المؤرخ في 4 جوان 2007. ضحايا منظومة الفساد ويرى ماسكون بعدد من ملفات قضايا الشيك دون رصيد (وأساسا من المحامين) أن العدد الأبرز من المحالين على القضاء بمثل هذه التهم الجنائية هم من أصحاب المؤسسات أو من أصحاب المشاريع الاقتصادية والتجارية الذين أعيتهم مظاهر الفساد المالي والاقتصادي للنظام السابق الذي انبنى على وجه كبير بالمحسوبية والرشوة وخاصة في قطاع التجارة الموازية حيث كان يعمد عدد من أفراد عائلة الرئيس السابق وأصهاره الى جلب البضائع المختلفة من الخارج وإدخالها للسوق المحلية دون دفع الأداءات مما يؤدي الى منافسة غير شريفة ويضرّ بالمنتوجات المحلية نظرا لاختلاف الكلفة الكبيرة بين المنتوجين (المحلي والمورّد بطرق غير قانونية). فمن رؤية انسانية واقتصادية فإن هؤلاء هم من ضحايا المنظومة الاقتصادية السابقة مما يتعيّن البحث عن طرق لإنصافهم بالقدر المطلوب ووفق ما تتضمّنه الامكانات القانونية المتاحة، وهي متوفرة لا محالة. يذكر ان الرئيس السابق كان خصّ هذه الفئات وبالنظر أساسا لاعتبارات اجتماعية بعفوين خاصين أوّلهما في 7 نوفمبر 2005 حيث تم إقرار دفع أصل الصك والمصاريف مع طرح الخطايا والعقاب البدني والثاني في 7 نوفمبر الفارط حينما تمديد العمل بالعفو السابق وفق نفس الضوابط وهي بالأساس طرح العقاب البدني. وضع ومشاكل لقد ساهم الوضع الاقتصادي والتجاري السابق في تفاقم مشاكل اصحاب المشاريع والمؤسسات مما جعلهم بسبب المنافسة غير المتكافئة يعجزون تباعا عن الوفاء بالتزاماتهم المالية وأدى ذلك الأمر الى رجوع الشيكات دون خلاص ورفع قضايا في الغرض وإصدار الأحكام القضائية. تشريع مقارن واستغراب ويرى مختصون في القانون، أن قضايا الشيك دون رصيد لا تمسّ بشرف المواطنين وليست هي من الجرائم الخطيرة التي لا يمكن مراجعتها ولذلك فهي تبقى جنح عادية تتحمّل فيها عدة أطراف المسؤولية (ومنها أساسا البنوك التي منحت الصكوك)، ويذهب البعض حدّ الاستغراب عندما يجرمون مقارنة تشريعية بين الوضعية في تونس وغيرها من البلدان وخاصة فرنسا حيث ان قانون الشيك دون رصيد المعتمد في بلادنا أخذ من النص والتشريع الفرنسي وحيث ان المشرّع الفرنسي قد ألغى ومنذ فترة زمنية تجريم إصدار الشيك دون رصيد واعتباره أمرا لا تترتّب عليه عقوبة جزائية، واعتبار الشيك مجرّد سند دين اي كالكمبيالة أو سندات الدين المتعارف عليها والتي يمكن استخلاصها عبر الطرق المعلومة من عُقل وقضايا في الأداء ومطالبة بالفوائض وشتى وسائل التنفيذ الممكنة الأحكام المدنية والتي تبقى سائرة المفعول لمدة 20 سنة. تشتت اجتماعي ان الوضع الحالي في تونس ما بعد ثورة 14 جانفي يفترض نظرة انسانية لها سنداتها القانونية لعلاج أحد الملفات الاجتماعية تأثيرا وتشابكا حيث وجود الآلاف من المحاكمين في قضايا الشيك دون رصيد في السجون او هاربين الى الخارج او مختفين وهو الأمر الذي يوجد حالات من التفكك الاجتماعي والأسري وكذلك تعطيل عدد من المشاريع الاقتصادية ومواطن الشغل التي تحتاجها بلادنا اليوم وأكثر من اي وقت مضى. فهل تبادر الحكومة المؤقتة بإنجاز هذه الحركة الانسانية والنبيلة لإحلال الفرحة داخل المئات من العائلات والأسر التونسية سواء عبر إدماج هؤلاء ضمن مشروع قانون العفو التشريعي العام او سنّ قانون جديد للشيكات دون رصيد يكون له مفعول رجعي يُلغي العقوبة البدنية ويؤسس لصورة أخرى لقضايا لها انعكاسات كبيرة على الاقتصاد والمجتمع.