بقلم: الاستاذ نبيل بن فرج (محام بنزرت) إن مآسي الشعوب كثيرا ما تنقلب الى مشهد كوميدي يوحي بعزة الكرامة ويترجم عن فرحة الانتصار والشعور بالنخوة دون تشف. فرؤساء الجمهوريات العربية المتسلطنين بمجرد أن تتحرك شعوبهم وتحتل الشوارع سلميا منادية برحيلهم الا وفضلوا الهروب تاركين الأصدقاء والمقربين وحاشيتهم وحدهم وبعدي فليكن الطوفان ، فلماذا لم يبق ويستمر مبارك ولو لبضعة أيام أخرى ويستميت ان لزم الأمر في الدفاع عن «شرعيته» وعن رسالته لشعبه وحتى عن موقعه بمزيد تحصينه ان لم يكن بالحق والعدل فليكن بمزيد من التقتيل وأساليب الكذب والخداع والزيف، فبكل تلك السهولة والسرعة غادر الدكتاتور التونسي العرش الذي شيده على امتداد ثلاثة وعشرين سنة هاربا لا يقوى على شيء في حين تنحى نظيره المصري عن السلطة بعد ثلاثين سنة في قهر شعبه وحرمانه من أبسط مقومات الحياة، فكلاهما تخلى عن المنصب والسلطة والجاه تحت ضغوطات شعبيهما واحتجاجات شارع انهكته سنوات الاستبداد والظلم والضياع وانسداد الافاق، فكسر ذات يوم حاجز الخوف بما تبقى له من حرية التظاهر والتواجد في الأماكن العامة والاعتصام بها، وهو خياره الحضاري والوحيد... أمام جحافل البوليس السياسي فالموت بالرصاص أصبح بالنسبة اليه خيرا من الموت خوفا وذعرا، معبرا بذلك عن المعادلة التي كرسها النظامان المستبدان العميلان والبائدان بتونس ومصر اللذان طغيا ونهبا وسلبا شعبيهما بالخوف ولا شيء دون الخوف، فقد انقلب السحر على الساحر فانتقل الخوف الى الجهة المقابلة وأصبح الحاكم يخاف على ثروته وحياته من ثورة شعبه الذي لم يعد يطيق ويستحمل ظلمه... خطبه... هذيانه. فحتى حب البقاء الذي هو غريزة الحياة لم يسعفهما بمزيد الثبات على الخطإ الجرم أمام تيار الثورة الجارف بل سرع وبأثر عكسي في مغادرتهما الساحة السياسية وأضاء أفاق المستقبل لشعبين مسالمين يتوقان الى العدل والمساواة يسعيان الى حياة حرة وكريمة وفي طليعتها شباب متعلم تغلب عليه عقدة الخوف وبات مستعدا للتضحية بحياته من أجل الاعلان عن وجوده الرافض، في حين تخفى جلاداهما وراء بنيان هش من القمع والأكاذيب طيلة عقود من الزمن وعندما جد الجد وحانت ساعة امتحان قوتهم فرا تاركين حصونهما وغادرا حدود الوطن خوفا من ردة فعل الجماهير الغاضبة التي اكتوت بنار الخوف والهلع وها أن التاريخ العربي المعاش يسجل بأحرف من نور استسلام وهروب «جنرالان» كانا من المفروض ان يبقيا بساحة «الوغى» وأن يتصدرا مواجهة مصيريهما بشجاعة واقتدار وبسالة تبرهن عن رجولتهما وفحولتهما لا الفرار كاللصوص والجبناء والمتلبسين بجرم الاضطهاد والخيانة. فأيام معدودات من الاحتجاجات الصامدة والمرابطة بميدان التحرير بالقاهرة وسويعات قليلة بشارع الحبيب بورقيبة أمام مبنى وزارة الداخلية بتونس العاصمة كانت كافية لجبر الرئيسين المستبدين في مصر وتونس على التنحي وترك سلطتهما الغاشمة ومن ثمة الهروب والتواري دون رجعة... فهل الى هذا الحد يخاف جنرالات هذا العصر العربي المتردي؟ عصر الزعامات الوهمية الموبوءة... الخائفة دوما من الموت موتهم الذي يعني فقدان نعيم السلطة ووقارها ودحرهم من تاريخ شعوبهم وتاريخ الانسانية جمعاء. فكلا الجنرالان اللذان لم يحاربا قط فشلا في امتحان الأمانة ونظافة اليد والنزاهة والشجاعة، فرفضهما مجتمعهما المدني والعسكري وكان سقوطهما سقوطا لأوهام أسطورية مثل سقوط الديناصورات الخشبية وعلى حد وصف ماوتسي تونغ للامبريالية الأمريكية ك نمور من ورق» Tigres en papier.