بقلم الكشاف القائد: محمد الدوّاس اطلعت يوم الأربعاء 26 جانفي 2011 بجريدة «الشروق» على بيان القيادة العامة للكشافة التونسية، ويا عجباه! وسبحان من غيّر الأحوال بين عشية وضحاها؟ إذ نعتت النظام السابق بالاستبدادي وبالقمعي وبكبت الحريات والغريب في الأمر أن مؤتمرها الأخير الذي انعقد في شهر أوت 2010 وُضع تحت سامي إشراف الرئيس السابق المخلوع بإرادة شعبية ولا توجد برقية واحدة وُجهت إليه في أي مناسبة كانت منذ توليه الحكم لا تنصّ على هذه الجملة: «يا سيادة الرئيس، ثقوا أن الكشافة التونسية ستكون على العهد دوما من أجل مواصلة المسيرة الموفقة بهديكم وبقيادتكم الصائبة وخياراتكم الاستشرافية الرائدة». هذا الموقف لا يستغرب من قيادتنا العامة إذ أغلبية أعضائها همّهم الوحيد اللهث وراء المناصب وإشباع طموحاتهم ومصالحهم الشخصية الضيقة، فكان الأجدر بها أن تصمت أو أن يقرّ خاصّة قائدها العام بوضعه الحقيقي وعدم التنكر لماضيه وماضي منظمتنا وللظروف السياسية السائدة انذاك بالبلاد وأن يستبشر ويتفاعل مع الثورة منذ لحظاتها الأولى وأن يوجه نداء إلى كافة القيادات للتعامل مع التغييرات والتوجهات الوطنية بأسلوب ديمقراطي وبحرية مسؤولة وتفكير عقلاني. والآن وبعد سقوط النظام السابق وفُجرت ثورة تونس الشبابية الشعبية «ثورة 14 جانفي الرائدة»، ماذا ينتظر قادتنا من تحديات ونضالات لنجاح هذه الثورة المجيدة؟ وما هي الإجراءات العاجلة للتفاعل الديمقراطي والعقلاني مع التغيرات والتوجهات الوطنية التي أقرتها حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في هذه الظروف الصعبة والاستثنائية؟ يسعدني أن أتوجه إلى القيادة العامة باقتراحي هذا الذي أتمنى أن يجد لديها العناية والاعتبار: على القيادة العامة للكشافة التونسية التوجه بدعوة كافة قائداتها وقادتها للفرق والأفواج والجهات بكافة ولايات الجمهورية بتنظيم ندوات في أقرب أجل ممكن للتشاور والتحاور في كيفية تغيير ومراجعة فصول النظام الداخلي للجمعية وتقديم نظرة استشرافية للبرامج والمناهج التربوية لكافة الأقسام في كنف الاحترام المتبادل وبأسلوب حضاري بدون تشفّ وأحقاد وتشنج وتعصب ثم رفع التقارير التأليفية إليها، وحين يضبط موعد لانعقاد مؤتمر وطني استثنائي لتحيين وإقرار والتفعيل الفوري للإجراءات والتنقيحات الجديدة لتعاطي النشاط الكشفي والذي لا يكون إلا متماشيا ومتفاعلا مع الوضع الجديد للبلاد، وتكون مرجعيته الأساسية أهداف ثورة 14 جانفي الخالدة، لا غير، ثمّ على ضوء هذه التنقيحات والإجراءات يقع ضبط روزنامة لانعقاد مؤتمرات كل الأفواج والجهات لانتخاب أعضائها. إنّ المعضلة الكبرى التي يجب أن تدرس وأن يعطى لها حقها اللازم من الوقت للتحليل والتمحيص هي: في كيفية وضع آليات لتكريس ثقافة التعامل الديمقراطي في أوساط شبابنا وأطفالنا وتعويدهم تدريجيا إتقان وكسب تجارب وتقاليد في الاختيار النزيه والحر لكلّ هيئات هياكلنا بمختلف مستوياتها، بدون أي تزكية أو تدخل فحان الأوان للانتخاب المجدي والحرّ والنزيه بكل استقلالية ووعي: للقادة المعروفين بتطوعهم الملتزم والجاد والساعين لتطوير أساليبهم القيادية ووسائلهم التنشيطية ومؤهلاتهم الإشعاعية وقدراتهم الشخصية للتمويل الذاتي والاعتماد على الذات وذلك لتحقيق أهداف جمعيتنا العريقة من خلال أهداف ثورتنا التاريخية، وهكذا نستطيع القضاء نهائيا على التجاوزات والتصرفات المشبوهة واللاأخلاقية والانفرادية بالقرار وعبادة الأشخاص. لنناضل من أجل كشفية وطنية مستقلة بعيدة كلّ البعد عن أي احتواء ضيّق رافضة كل ممارسة جهوية متعاونة بكل حرية وشفافية مع كل مكونات المجتمع المدني، دافعة للانخراط الواعي والفعلي لتنميته، غارسة عقلية النقد البناء مدافعة على مصلحة المجموعة قبل أي مصلحة أخرى، مبعدة الاستكانة والانتظار في صفوف منخرطيها، مكرّسة روح المبادرة والتطوّع والتحفيز.