وسط تجاذب بين الآراء حول مسؤولية الاعلاميين في تغيير المشهد الاعلامي، ومدى مساهمة الثورة في تطوير هذا المشهد والارساء به نحو الاستقلالية وامكانية التخلص من الشوائب العالقة من النظام المستبد لحرية الاعلام، استضاف طلبة السنة الرابعة (ورشة الكتابة الصحفية) بإشراف الاستاذة حميدة البور، الاعلاميين شادية خذير (القناة الوطنية) وإلياس الغربي (قناة نسمة). وذلك للبحث في واقع المشهد الاعلامي التونسي بعد الثورة، في اطار سلسلة من الندوات، تعلقت الندوة الأولى منها بالبحث في ملامح المشهد الاعلامي المرئي وما يطرحه من مفارقات عدة. فإلى أي مدى مكنت هذه الثورة من تطوير المشهد الاعلامي؟ استهلت الندوة بعرض شريط مصور من انجاز الطلبة ينقل آراء بعض الطلبة والاساتذة والمهنيين في مجال الاعلام وقد كانت معظم الآراء أو الاجابات عن هذا السؤال تصب كلها في خانة واحدة ألا وهي أن الاعلام لم يتحرر بعد وان حريته تتلخص في شتم النظام الذي كان يمجده. لم أمارس الصحافة الا بعد 14 جانفي وقد أعرب الياس الغربي عن استيائه مما كان عليه الاعلام سابقا مؤكدا «أنا لم أمارس الصحافة الا بعد 14 جانفي» فمهنة الصحافة مهنة استثنائية تقتضي الدخول في منظومة قوانين ومفارقات معينة كأن يكون الصحفي نزيها مقابل اغراءات الوسط، وهنا يكون مطالبا بالتحلي بأخلاقيات المهنة ليواجهها. أما شادية خذير فقد أكدت أن الاعلام لم يكن موجودا الا لتلميع صورة النظام السابق ومسرحية 13 جانفي خير دليل، فقد رفضت التلفزة التونسية آنذاك الذهاب الى سيدي بوزيد قصد تغطية الاحداث هناك بتعلة عدم وجود الامكانات للذهاب، بينما وجدت (هذه الامكانات) لنقل الهتافات التي تلت الخطاب الأخير للرئيس المخلوع. وهذا خلق نوعا من النزاعات وأزمة ثقة بين الصحفيين داخل المؤسسة وهي تدعو الى اغتنام فرصة ما بعد 14 جانفي لتصحيح صورة الاعلام ومساعدة الصحفيين لبعضهم البعض دون تصفية الحسابات لتجاوز هذه الأزمة. وقد اعتبر إلياس الغربي أن الزلزال الاعلامي الكبير الذي هز الوسط يدعو الى استعداد جميع الوسائل الاعلامية الى أي طارئ، كما أشار الى محاولة (قناة نسمة) «على الأقل من خلال صحفييها الدخول في منظومات الأخبار والحوار بعد ما كانت «قناة منوعات». الحرفية في الاعلام أما بالنسبة الى الحرفية والمهنية الاعلامية فقد أشارت شادية خذير الى أن المرور من مرحلة ليس فيها مادة اعلامية الى أخرى ذات كثافة اعلامية ليس بالسهل والأخطاء المهنية لا تحصى ولا تعد وذلك لغياب الاحترافية والجاهزية والاعتماد على العفوية والتلقائية وقد نوه الياس في هذا الاطار الى وجود لوم كبير من الناس موجه الى الاعلام بكونه بوقا للنظام و«هنا أقول إنه لن يكون أيضا بوقا لرأي الشعب» فدورنا هو أن يكون للمتفرج رأيه الخاص فلسنا نحن من نوجهه» فالوعي بالثورة وبتاريخ الشعب يسمح للمستقبل بصناعة دوره وحده. الاعلام بين المراقبة والموضوعية كما أن مسألة الاعلام بين المراقبة ومتطلبات الموضوعية اضافة الى اتباع الخط التحريري مازالت تعد اشكالا قائما وفي هذا السياق وكإجابة عن تساؤل حول سبب تهميش المطالب السياسية للمعتصمين بالقصبة على عكس المطالب الاجتماعية ردت شادية خذير بالقول إن هناك ظروفا قد حتمت حذف بعض المقاطع التي تصور بعض الألفاظ النابية وعبارات الشتم وهذا ليس من أخلاقيات المهنة وإن «الصنصرة» ليست الا ضرورة للوقت. كما يؤكد إلياس الغربي أن الاعلام مازال مسيرا «وليس لنا سوى أن نحاول دائما تصحيح المسار على أمل الاصلاح» وتتفق معه شادية بقولها ان «هناك ميليشيات في وسط المؤسسات الاعلامية ونحن لم نتمتع بالديمقراطية اللازمة». على أمل أن تتحقق الحرية كاملة في القطاع الاعلامي لا سيما العمومي الذي طالما كان اعلاما حكوميا ودمية تحركها أيد خفية.