شهد المشهد الإعلامي التونسي تحولات هامة عقب ثورة الحرية والكرامة حيث حقق الإعلام المرئي العمومي بالخصوص خطوات ملموسة في طريق المصالحة مع المشاهد التونسي الذي هاجر قبل 14 جانفي الى محطات تلفزية عربية واجنبية. والمتابع للإعلام المرئي العمومي الوطني يلحظ بجلاء ان الخطاب تغير لكن الاستراتيجيات بقيت هي ذاتها، فبعد ان كان الاهتمام قبل الثورة موجها الى حزب بعينه على اعتباره الحزب الحاكم مع تهميش بقية عناصر المشهد السياسي الوطني اصبح اليوم يوجه اهتمامه الى احزاب قد يرشح البعض انها الأقدر على الصمود في المرحلة المقبلة حيث اظهرت احصائيات نشرتها «مؤسسة سيقما كونساي» حول حضور الأحزاب في وسائل الإعلام ان حركة النهضة استحوذت على أعلى نسب الحضور في البث التلفزي العمومي تليها حركة التجديد ثم الديمقراطي التقدمي.. فيما غابت الأحزاب الجديدة عن المشهد وبات السؤال المطروح كيف يتعامل الإعلام المرئي العمومي مع المشهد السياسي التونسي الجديد؟ واي علاقة للقنوات التلفزية العمومية بالأحزاب؟ ولماذا تحظى احزابا بعينها بمساحات هامة في الأخبار والملفات التلفزية دون غيرها؟ هذه الاسئلة وغيرها أرقت المتابعين والأحزاب السياسية على حد سواء حيث اعتبررمزي الخليفي، امين عام حركة الفضيلة، ان وسائل الإعلام وبالخصوص العمومية تحررت في خطابها لكنها لم تحررمن سياسة المحاباة باعتبارها يعمها انتهاج سياسة الإقصاء على حد تعبيره موضحا ان حضورالأحزاب في التلفزات العمومية اقتصر على الأحزاب القديمة ولم تعمل التلفزة على تشريك بقية الأحزاب الجديدة في الملفات التلفزية الا نادرا للتعبير عن مواقفها من الأحداث والمتغيرات حتى تتمكن من الاقتراب اكثر من المواطن ويتعرف على قناعاتها وطرق تفكير قادتها. رشوة مقابل الحضور وقال الخليفي «ان التلفزة العمومية ورغم ان حضور الأحزاب فيها وفي ملفاتها التلفزية ليس من باب المزية الا ان بعض الأحزاب لم تتمكن من الحضورالا بعد ان دفعت عمولة تقدر بالملايين» مضيفا ان»بعض الأحزاب دفعت العمولة وتمكنت من الحضور في ملفات تلفزية وعبرت عن رأيها في ملفات حساسة قبل حصولها على تأسشيرة النشاط». وعن صمته كحزب سياسي عن هذا التجاوز اذا كان ما أدلى به صحيحا قال الخليفي»لا يمكننا معاداة وسائل الأعلام حتى نتمكن من استخدامها للوصول الى المجتمع التونسي خلال الفترة الانتخابية المقبلة». من جانبه بين عبد القادرالزيتوني المنسق العام لحزب تونس الخضراء ان القنوات التلفزية العمومية مازالت تعمل بانتقائية كبيرة في تعاملها مع الاحزاب السياسية اذ ان ولوج استودهاتها ليس مباحا لكل الاحزاب بل انه بقي حكرا على احزاب بعينها مؤكدا ان حزبه منذ 14 جانفي الى اليوم لم يحضرالا في برنامج قاموس السياسة وحصة حوارية واحدة في القناة الوطنية الثانية. الديمقراطية لم تلج تلفزتنا من جانبه قال عبد القادر الجديدي الإعلامي ومقدم البرامج بالتلفزة التونسية والاستاذ الجامعي بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار: «ان المتابع للبرمجة السياسية على القنوات الوطنية يلحظ ضربا من الانخرام في الاختيارات والاستضافات فضلا عن ان مقدمي ومعدي الملفات الحوارية يكاد يكون مصدرهم واحدا ويقتصرون على شخصيات واحزاب بعينها وهوما لا يليق بمجتمع يستعد للدخول في مستقبل ديمقراطي على اعتبار ان الديمقراطية تنطلق بالضرورة من الإعلام». وبين في ذات الخصوص»ان التلفزة التونسية لم تصلها الديمقراطية بعد خصوصا في ظل استقلال قسم الصحافة عن بقية الأقسام ليعمل بمفرده في قطيعة تكاد تكون تامة مع بقية الأقسام بما يجعل حزبا بعينه يفرد بمساحات إعلامية كبيرة فيما تغيب بقية الأحزاب». واكد الجديدي ان:»الحيف الإعلامي سببه معدو ومقدمو البرامج الذين يرفضون التعامل مع خبراء واصحاب تجارب في الميدان الاعلامي وان اكثر من ثلاث ارباعهم من ذوي الاتجاهات المشبوهة ومن الموالين للنظام السابق وحزبه الحاكم وهو ما جعل اختياراتهم في الاستضافات غير خاضعة لقواعد الحرفية الاعلامية». واشار الجديدي الى الغياب التام للرقابة على البرامج التلفزية داعيا المشرفين على الاعلام العمومي مزيد التنسيق في الاستضافات وتشريك جميع مكونات المشهد السياسي في العملية الاعلامية. جريمة في حق الإعلام من جانبه عبر هشام السنوسي عضو الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال عن استغرابه ان يقدم اعلاميون على طلب اموال لتمريرهذا الحزب اوذاك ولم ينف امكانية ان يقع البعض في هذه الجريمة خصوصا في ظل عمل بعض الاحزاب على نشر صفحات اشهارية وقد يذهب البعض الى اعتبارهذا التمشي من مشمولات استراتيجيات التعريف بالأحزاب. وبين ان الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال وضعت برامج عمل لمراقبة المحتوى السياسي والحضورالحزبي في وسائل الإعلام العمومي وقال:» ان الفراغ المهني والقانوني يحول دون تنظيم القطاع باعتباران الإعلام العمومي هو في حقيقة الأمر إعلام حكومي داعيا الى ضرورة فصل الإدارة عن التحرير.
هل فقدت صحف المعارضة بريقها؟ الى حدود 14 جانفي كانت صحف المعارضة وبالخصوص جريدة» الموقف» و»مواطنون» و»الطريق الجديد» تمثل الاستثناء الإعلامي اذ انها كانت تقريبا الوحيدة القادرة على تصعيد مواقفها ضد حكومات المخلوع وتطرح ملفات لا تتجرأ بقية الصحف ووسائل الإعلام على طرحها باعتبارها من المسكوت عنه او ربما محضورة ، لكن عقب الثورة تغيرت الموازين وألغيت كل المحاضيرلتقتحم بقية وسائل الإعلام اسوارالممنوعات والمحضورات بما جعل صحف المعارضة تفقد جوانب من بريقها. فهل افقدت الثورة صحف المعارضة بريقها فعلا؟ وهل انها قادرة على المنافسة في ظل الانفتاح الإعلامي وعصر حرية الصحافة؟ وهل هي قادرة على التواصل اذا اكتفت بان تكون بوقا للحزب؟ ردا عن هذه الاسئلة قال عادل الشاوش مدير تحرير جريدة» الطريق الجديد»: «اذا واصلنا الاضطلاع دوربوق للحزب فاننا نكون قد امضينا صك نهايتنا بايدينا» وبين انه لا مناص من ان تتحول صحف المعارضة وصحيفته على وجه الخصوص الى جريدة رأي من مستوى راق مؤكدا ان هذه الصحف لا تستطيع اداء مهمتها الإخبارية في ظل المنافسة الشرسة للصحف المستقلة». من جانبه ابرزمنجي اللوزرئيس تحرير جريدة» الموقف» ان صحف المعارضة بعد ان كانت في صف المعارضة باتت تسيرفي طريق الخضوع الى منافسة السوق وقوانين العرض والطلب مؤكدا في السياق ذاته ان صحيفته عاقدة العزم على استثمار تجارب صحفييها في انتاج صحيفة بالعنوان ذاته ولكن بمحتوى مغاير خاضع لقوانين اللعبة الإعلامية. وبين عادل الثابتي رئيس تحرير جريدة «مواطنون» لسان التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات انه عقب الثورة اصبحت رسالة صحف المعارضة مضاعفة اذ انها مطالبة بمواصلة التصدي للتجاوزات من جهة والمحافظة على خطها التحريري الأصيل من جهة أخرى مؤكدا ان ما سماه ب «صحافة المعارضة الحقيقية» لم تكن في يوم من الأيام بوقا للأحزاب التي تصدرها بل مارست دورها في رفع التعتيم، وهي مطالبة اليوم بالمضي قدما في طريق منافسة تعددية الإعلام حتى تتواصل. الحبيب وذان