سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عندما يعبث «أباطرة» السياسة والمال بكرة القدم: هتلر يحتفل مع الجمهور... موسيليني «يفوز» بكأس العالم.. وجيش فرانكو يقتحم الملعب لهزم برشلونة ب (111) أمام الريال
قد لا يجد الزعماء والرؤساء والملوك والأمراء ورجال السياسة أفضل من ساحة الرياضة وبالتحديد كرة القدم للتعلق بالجماهير الغفيرة والسيطرة عليها وكذلك لاستغلال هذه اللعبة للثراء الفاحش والنفوذ السياسي. فكرة القدم لعبة يعشقها الجميع، الصغير والكبير، العامة والمثقفون أغنياء وفقراء كما انها شهدت تطوّرات هيكلية في صناعتها جعلتها تحظى بعائدات مالية خيالية تفوق معدلات التضخم العالمي وهو ما جعلها مجالا خصبا للفساد والرشوة والابتزاز وحتى التحيّل. هتلر ودعم الفكر النازي في الثلاثينات ومع ظهور الزعيم الألماني أدولف هتلر مؤسس الحزب النازي كان تنظيم دورة الألعاب الاولمبية سنة 1936 في برلين نموذجا صارخا لنفوذ السياسة حيث اصرّ هتلر على التواجد في عشرات المسابقات التي يتفوق فيها اللاعبون الألمان ليحتفل مع جمهوره بتتويجهم بالميداليات الذهبية وكان في ذلك رسائل سياسية بالجملة دعما لفكرته في نشر تفوق الألمان وبداية سيطرتهم ونفوذهم على العالم كما كان يخطط لذلك «الفوهرر». الزعيم الايطالي الدوتشة (أو القائد) موسيليني مؤسس الحزب الفاشي استعمل بدوره كرة القدم لأغراض سياسية حيث أعطى كل اهتمامه في ثلاثينات القرن الماضي لاستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم في إيطاليا سنة 1934 بأي ثمن وبالفعل لعبت الضغوط والأموال دورا رئيسيا وقرر الاتحاد الدولي لكرة القدم منح النهائيات الى إيطاليا على حساب دول أخرى أكثر ولاء للفيفا. موسيليني تردد على تلك النهائيات بشكل كبير وشاهد كل مباريات منتخب ايطاليا ولعب التحكيم غير العادل دورا كبيرا لتفوز أيطاليا بالكأس وليبرز موسيليني في دور البطل ويلهب حماسة الجماهير التي تم توظيفها لخدمته. برشلونة تدفع ثمن دكتاتورية فرانكو عندما نشاهد مباراة بين برشلونة وريال مدريد نعلم ان هذا اللقاء يتعدى حدود الرياضة ويعود السبب الى زمن ليس بالقريب ففي منتصف الثلاثينات تولى حكم إسبانيا الملك الدكتاتوري فرانكو الذي أذاق أهالي كاتالونيا شتى أنواع العذاب والآلام وأعلن الحرب على الإقليم وعاصمته برشلونة ليشعر أبناء هذا النادي بالحقد إزاء محاولة خطف هويتهم في حين كان ريال مدريد يعيش أجواء لا مثيل لها حيث كان فرانكو يعامل هذا النادي بأرقى الأساليب. وقد تحدثت بعض المصادر ان كره فرانكو لكاتالونيا وفريقها برشلونة كان كبيرا ففي 13 جوان 1943 عندما كانت برشلونة تتقدم بهدف وحيد على ريال مدريد اقتحم جيش فرانكو غرفة تبديل الملابس بين الشوطين وهدد لاعبي برشلونة بقتل وسجن أسرهم اذا لم يتركوا ريال مدريد يفوز بالمباراة التي انتهت وقتها بنتيجة (111) لصالح ريال مدريد. كما ذكرت مصادر أخرى أن فرانكو أقدم على قتل رئيس نادي برشلونة جوسيب سونيول هذا دون ان ننسى حادثة خطف الريال للنجم الارجنتيني دي ستيفانو من برشلونة بإيعاز من فرانكو كالعادة. برلسكوني: امبراطور المال والإعلام والكرة سيلفيو برلسكوني هو من القادة الذين يعشقون كرة القدم بحق وله بصمات واضحة بالتشجيع والدعم المادي فهو لا يمكن ان تلهيه السياسة عن كرة القدم وهناك من يؤكد انه استعملها من خلال فترة ترأسه لنادي ميلان الايطالي لتوسيع شعبيته ليؤسس بذلك حزبه السياسي الذي صعد به الى رئاسة الحكومة في بلد عاشق الى حدّ الجنون لكرة القدم. برشلونة سيطر على القطاعات الأكثر فعالية وتأثيرا في إيطاليا فقد ضمن قاعدة جماهيرية من خلال نادي ميلان الايطالي على مدى 22 سنة ترأس فيها الفريق الذي أحرز معه على لقب الدوري الايطالي سبع مرات وخمسة ألقاب أوروبية ولنثبت أن برلسكوني لم يفعل هذا بالصدفة نشير الى أنه كان ينوي شراء الغريم اللدود الإنتر قبل تحويل وجهته للميلان لأنه مقتنع بأهمية هذه الخطوة في خدمة أغراضه السياسية. قوة هذا الرجل تدعمت بالمال، فهو يعتبر من أغنياء العالم ويأتي في المرتبة 74 عالميا بثروة تقدّر ب 17 مليار دولار ونجح في بسط نفوذه كذلك على الاعلام فهو يملك أهم وسائل الاعلام المؤثرة في إيطاليا على غرار شبكة الراي. قمة الفساد في العالم الثالث استغلال كرة القدم من قبل زعماء السياسة لا يقتصر على هذه الأمثلة ويمكننا ان نستحضر الدعم الامريكي عالي المستوى بيل كلينتون لملف استضافة امريكا لمونديال 2018 وفشله في ذلك ودموع لولا داسيفا رئيس البرازيل عندما فازت بلاده بشرف استضافة مونديال 2014 ولا ننسى يومها خيبة باراك أوباما الكبرى في حين حافظ جاك شيراك على سمعته كداعم أول ومشجع لمنتخب الديوك وتمسّكت العائلة المالكة في بريطانيا بعشقها لنادي أرسنال الانقليزي من خلال الملكة اليزابيت الثانية. المشهد إذا يبدو متلاحما بين ما هو سياسي وما هو رياضي وكروي بالأساس في أكثر من الدول ديمقراطية لذلك فإن المشهد يكون أفظع في بلدان العالم الثالث. ففي قطر مثلا يعتبر محمد بن همام رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم أكثر الشخصيات تأثيرا هناك والمساهم الأبرز في فوز هذا البلد بشرف استضافة مونديال 2022 ولا يمكن ان يكون ذلك دون تخطيط مسبق مع أمير دولة قطر خدمة لأغراض سياسية وصفقات أبرمت من وراء الستار وتحت غطاء كرة القدم. في افريقيا لم يكتب لكرة القدم ان تتحرر من جلباب عيسى حياتو وجماعته الذي جعل كرة القدم مصدر ثروته واستعملها في بعض الأحيان كورقة ضغط سياسي خاصة في بلده الكامرون. حياتو على علاقة وطيدة بأباطرة القارة السمراء ونتذكر هنا امبراطور مازمبي موييز كاطوبي حاكم مقاطعة كاتاندا في الكونغو صاحب الشعبية الجارفة والثراء الفاحش لذلك لم يعدم وسيلة لإيصال فريقه مازمبي للعالمية، بما ان أمواله الطائلة حوّلت كل المسالك الصعبة الى طرق مفروشة بالورود لتعود سياسته بالوبال على افريقيا بأسرها. هنا في تونس من ألطاف الله ان آل الطرابلسي لم يعمّروا طويلا وإلا لبسطوا نفوذهم بالكامل على الكرة التونسية المريضة، فقد بدأت أياديهم تعبث بالفرق الصغيرة، قبل ان تمتد من وراء الستار الى أندية أكثر عراقة ونعلم جيدا كيف حاول بلحسن الطرابلسي العبث بالنادي الافريقي واستغلال شعبيته الجارفة لتحقيق أموال طائلة من خلال نيابته لبعض الشركات الأجنبية التي تبرم عقود رعاية للأندية التونسية، ثم يحاول ابتزازها بالمال للوصول الى مبتغاه فقد منع العتروس من رئاسة الافريقي خوفا على مصالحه الاقتصادية خاصة في قطاع السيارات، كما فرض على الملعب التونسي التفريط في العكروت والزعيري.. المثال الآخر الذي نختتم به وليس الأخير طبعا يأتينا من ليبيا حيث عرف هذا البلد امبراطورا جديدا في كرة القدم وللأسف كان جاهلا وهو الساعدي القذافي الذي استحوذ على المناصب الرسمية وغير الرسمية بطرق غير شرعية وركّز كل اهتمامه على صناعة مجده الشخصي الوهمي من خلال نفوذه المالي ليتحيل على القانون ويصوّر نفسه في شكل لاعب فذ احترف اللعب في إيطاليا أقوى البطولات في العالم لكن لم يكن ذلك بسبب مهارته في اللعب، بل لأنه كان في نظر الفرق الايطالية التي قبلته في صفوفها موردا ماليا قارّا وينبوع ثروة لا ينضب. جهل القذافي أوصله الى إثارة الفتنة بين الفرق الليبية خاصة بين الاتحاد فريقه المفضل وأهلي طرابلس وذكرت بعض المعلومات انه تسبب في قتل البشير الرياني، احد نجوم الكرة الليبية لانه كان يغار منه. في مصر لم يختلف المشهد كثيرا فالثنائي جمال وعلاء مبارك نجلي حسني مبارك استفادا جيدا من كرة القدم من خلال الحضور في ابرز مباريات الدوري المصري والمنتخب المصري وذلك سعيا للترويج لنفسيهما ودعم صورتيهما إعلاميا ونتذكّر كيف سافر أحدهما الى أم درمان لحضور ذلك اللقاء الشهير الفاصل بين الجزائر ومصر والمؤهل لمونديال 2010. الترابط وثيق هنا بين السياسة والرياضة فجمال مبارك بدأ يستعد منذ ذلك الوقت لحملته الانتخابية قبل انتخابات 2011 استعدادا لتوريث الحكم في حين نجح علاء مبارك في بسط هيمنته على كرة القدم مستندا الى علاقة القرابة بينه وبين سمير زاهر رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم. نختم بالقول أن كرة القدم خاصة والرياضة عامة هي طريق الزعماء والأباطرة الفاسدين الى قلوب وعقول الشعوب والى المال والجاه والثروة... وإلى صناديق الاقتراع في الانتخابات أيضا..