عندما أشرنا الى «العروشية» في عدد سابق وما كنّا نعتقد أننا سنتحدث عن ذلك ونحن في السنة الحادية عشرة بعد الألفين، فإن الأحداث والظروف هي التي فرضت علينا ذلك خاصة أن هذه النزعة الضيقة برزت خلال الفترات الأخيرة وأكدت حقيقة وجودها في بلادنا شأنها شأن النزعات «الجهوية» المقيتة أيضا والتي لا تترجم إلا رواسب فساد النظامين البائدين اللذين كانا يستمدان «قوتهما» من تلك النزعات التي أفرزت «اللوبيات» كلما مالت الشمس الى المغيب وكلما ظهر التصدّع والانحلال في أركان السلطة وانهارت العلاقات بين الأجنحة وكثر الصقّاعون أي الكذّابون الذين زرعوا البلاد خبثا وباطلا وتمزّقا وجورا وهم لا يدركون أن الظلم مؤذّن بخراب المجتمع خاصة أن في طبائع البشر الخير والشرّ ولكن وكلما سيطر الشرّ إلا وكان العبث والفساد وتعدّد أساليب الفتن وغابت الحكمة. مثل هذه الظاهرة التي عمّقت جراح المثقفين والأنقياء وأعلنت تأثيرها السلبي على الديمقراطية ومبادئ الثورة خاصة أن الحقيقة أفرزت غاية قوى الجذب الى الوراء وجيوب الردّة وأكدت أنهم عاشوا على هذا الحال وكلما نامت هذه النزعة إلا وأيقظوها وحرّكوا خيوط الفتن عساهم يضمنون وجودهم في المشهد السياسي والاجتماعي على غرار ما حصل في مدينة المتلوي عاصمة الفسفاط التي عاش أبناؤها الانسجام والانضباط على مرّ السنين قبل أن يباغتهم الاحباط حين انتشرت إشاعة الفتنة التي لم يكن سببها أرض.. ولا عرض بقدر ما كان التشغيل والنسب المائوية في حصص الانتداب والمنشور الفتنة الذي تمّ تعليقه في بعض الفضاءات ليلا وذلك بعد القرار القضائي بحلّ التجمّع الدستوري الديمقراطي (أي خلال الليلة الفاصلة بين يومي الأربعاء والخميس 9 و10 مارس الجاري). منشور كاذب ومجرّد إشاعة هذا المنشور أكدت كل الأطراف المسؤولة إداريا وفي شركة الفسفاط أنه لا يمتّ للحقيقة بصلة وأنه مجرد إشاعة أراد بها صاحبها أو أصحابها إشعال نار الفتنة والغليان والتمزّق في صفوف العائلة الموحدة في مدينة المتلوي التي ظلّت متماسكة قبل وبعد 1956 وحتى في الفترات العسيرة التي حرص فيها المستعمر الفرنسي على خلق عناصر التصدّع والانحلال فيها.. مما جعل المسألة وفي ظلّ الهشاشة المعنوية لبعض المعطلين عن العمل تتضخّم لتتسارع الأحداث وتصبح بمثابة «الكارثة» خاصة أنها تعزّزت بنزعة «العروشية» التي يرفضها المثقفون والواعون والناضجون. العقلاء واجتناب سوء الجور والأهواء وإذا استمرت «المعركة» لمدة ثلاثة أيام وأسفرت عن ضحايا وجرحى فإن العقلاء وكما كنا أشرنا في عدد سابق كانوا في الموعد لاطفاء نيران الفتنة وإعادة المياه الى مجاريها بين أبناء المنطقة الواحدة. فكان الاجتماع واللقاء في كنف النقاء والصفاء بين الحكماء وكان بحضور الأمن والجيش فكان «الملح والماء» قبل إقامة الصلاة المشتركة التي تؤكد مدى حرص الجميع على الالتزام باجتناب سوء الجور والأهواء والتحكم في النفس عند الغضب وكان بعدها التطهير والتنظيف للأنهج والشوارع التي طالتها أيادي العبث لتتضح حقيقة العودة الى التكامل والتلاحم والانسجام بعيدا عن الفتن والاتهامات والأكاذيب والأراجيف التي يدرك الجميع أنها رأس المآثم والنميمة خاتمتها خاصة أن أبناء المتلوي يدركون أيضا أن المكاسب التي ناظلوا من أجلها واعتصموا لمدة شهر ونصف تقريبا وذلك في وحدة وتناغم لا يمكن أن تمزقها فتنة ولا يمكن لأي طرف أن يستغل نقاوة سريرة العائلات وتماسكها ونضالات الشباب لتعكير صفوها باعتبار أن المعركة وإن حصلت فإنها انتهت. وكما كان منتظرا ولكن لا بدّ من محاسبة المتسببين فيها بعد كشف أمرهم دون التجني أو تسليط المظالم على أحد إلا بعد ثبوت الادانة التي تؤكد حقيقة ممارسته للفتنة والنميمة والجور والزور خاصة أن ضحيتين ذهبتا بسبب هذه الفتنة فضلا عن عديد الجرحى وتشويه نضالات المتلوي وخدش سمعتها وحجمها ومحاولة تلطيخ مبادئ الثورة. المستقبل وبناء أوطاده الشامخة واليوم وقد عاد الوئام والانسجام فإن شباب المتلوي وكل من له صلة بالوطن ككل مطالب بالتفكير في المستقبل وبناء أوطاده الشامخة لتثبيت الأركان على أسس سليمة وعميقة حتى لا تتصدع هذه الأركان ولا تُصاب بالانحلال كما لا بدّ من اشراق شمس العدالة والحرية والتكامل والتنمية والنجاح وذلك للاعداد الصحيح للأجيال القادمة التي لا شك أنها ستحاسب الآباء والجدود على ما ورّثوه لهم من تحابب وتكامل وتماسك ونجاح وذلك على كل الواجهات باعتبار أنه وكما قال عالم الاجتماع والمنارة والعلامة عبد الرحمان ولي الدين بن محمد بن خلدون ذاك النجم الزاهر من نجوم الحضارة العربية: «التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الاخبار عن الأيام والدول.. وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات..». وكما قال: «فن التاريخ فن عزيز المذهب جمّ الفائدة.. شريف الغاية إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم..» وبالتالي فإن الواجب يفرض التفكير في الآتي باعتبار أن التاريخ يكشف التاريخ وعلى كل شخص مضاعفة مجهوده لتمهيد سبل النجاح في المستقبل للأجيال القادمة حتى لا تسخر هذه الأجيال من الماضي ورواسبه».