٭ السيد سعيد العايدي وزير التكوين المهني والتشغيل «أنتم تعرفون أننا انتظرنا كثيرا حتى تكون الأمور أحسن. لقد كذبوا علينا وأهانونا كثيرا. ونحن نتفهم أنه لا يمكن في حيّز زمني قصير أن تتغير الأمور، إلا أنّنا نريد أن نتأكّد أنّهم ليسوا بصدد الكذب علينا». هذا ما يردّده الشباب، فمنذ تسميتي على رأس وزارة التكوين المهني والتشغيل، قمت باستقبال العديد من طالبي الشغل واستمعت إلى عديد من الملاحظات التي احتوت على شحنة قوية من الآراء قطعت مع المنطق السابق، مثل مداخلة وسام التي قرأتموها. نعم لقد انتظرنا كثيرا، ولقد كنت مثلكم واعيا بضرورة التدخّل. إن مستوى الظلم والإقصاء الاجتماعي يمثل عبءا ثقيلا على كاهل البلاد، وهو لوحده يبرّر الثورة التي قمنا بها، بل التي قام بها الشباب. إن الحقيقة والكرامة يجب أن تقودا خياراتنا وطريقة عملنا لتغيير المجتمع التونسي. إلا أنّ واجب الحقيقة والكرامة يمنع عليّ أن أقدّم وعودا زائفة أو أن أتّخذ إجراءات غير مسؤولة أو أن أمنّيكم بمعجزات لا تمت بصلة إلى الواقع. إنتظارات كثيرة ظهرت على ملامح الشباب من طالبي الشغل المتوافدين يوميا على وزارة التكوين المهني والتشغيل من كلّ الجهات بعد ثورة 14 جانفي، ثورة الكرامة والحرية، فبالرغم من انعدام الثقة وعلامات اليأس والإحباط لديهم، جاء هذا الشباب المتعطّش للحرية والديمقراطية ليعبّر عن حقّه في العيش الكريم وعن حقه كذلك في موطن شغل قار بعد سنوات طويلة من البطالة والإحساس بالظلم، وليعلن خروجه من الصمت الذي فرض عليه في السابق، وهو يطالب بضرورة التدخّل العاجل لحل أزمة البطالة مؤّكدا على الصراحة في الخطاب لأنّه وبكلّ بساطة لم يعد بإمكانه الانتظار ولن ترضيه البرامج القديمة. إن ثروتنا تكمن في شبابنا المثقّف الذي يتطلّع إلى تكافؤ الفرص حتى يتسنى له التعبير عن رأيه، وهذا الشباب يأمل في تثمين كلّ ما يتوفّر ببلادنا من مميّزات، فتونس تتمتّع بجملة من الثروات يمكن أن تساهم في تقليص البطالة بصفة تدريجية ومستديمة متى أمكن الاستفادة منها، فالتشغيل قضية وطنية يجتمع حولها جميع الأفراد ومكوّنات المجتمع، وتقتضي الابتعاد عن الانشقاقات الداخلية والأوهام قصيرة المدى. الحرية أساس وحدة الاقتصاد لقد تحرّرنا من نظام قام بتقييد مبادرة العديد من الأفراد واستفرد بالموارد والمنافع والمشاريع، وأرسى تمشيا اعتباطيا في إسناد مواطن الشغل، وشكّك في جل المبادرات، وإنّ حالة اليأس التي فرضت على الشهيد محمد البوعزيزي، وهو الذي لم يطلب إلا أن يقتات من عمله، ترمز إلى عنف الدولة الذي مارسه النظام السابق. وإنّ ما ينشده الشباب اليوم هو تحرير المبادرة الاقتصادية وتشجيعها والإحاطة بها. من سيدي بوزيد إلى الكاف، ومن بنزرت إلى تطاوين وبن قردان مرورا بقفصة والقصرين، يجب أن يسترجع التونسيون سريعا الحرية التي حرموا منها، والحق في التنمية الذي يتلاءم مع طاقات ومواهب أبنائهم، هم يرغبون في التمتّع بالنظر إلى أبنائهم وهم يكتشفون أوّل موطن عمل يتطابق مع مؤهلاتهم. الحرية تمثّل منهجا ينبع من عقل وقلب وتصرّفات كل واحد منّا. وفي انتظار أن تأخذ الحرية مكانها، وجب علينا مجابهة حالات طارئة يفرضها الواقع والتعامل الرصين معها مثل قلّة صبر عدد من المواطنين. وتعتبر مهمة الحكومة الانتقالية محدودة في الزمن نظرا لاقتصارها على الإعداد للانتخابات المقبلة والتصرّف في الحالات المستعجلة دون اتخاذ إجراءات لها انعكاسات مستقبلية، ولكن الحرية والكرامة تحتّم علينا قول ما سنقوم به، والقيام بما سبق التعهّد به، والابتعاد عن الوعود صعبة التحقيق. الإجراءات الأولى بالاعتماد على وسائل عمل محدودة وفي بعض الأحيان تمّ إتلافها وحرق عدد منها على غرار مكاتب التشغيل، يقوم أعوان وزارة التكوين المهني والتشغيل بمجابهة الطلبات العاجلة وإعادة إرساء روابط الثقة مع طالبي الشغل. في الوقت الحالي، ترتكز مهام مصالح التشغيل حول أربعة محاور أساسية : ٭ دعم ومساعدة طالبي الشغل على الاندماج عبر إرساء نظام «الباحث النشيط عن شغل» الذي سيمكّنهم من القيام بنشاط وقتي أو تكوين أو إحاطة إلى حين العثور على موطن عمل قار. ٭ دعم المؤسسات الموجودة ومساعدتها على تجاوز هذه الفترة الحرجة دون اللجوء إلى الاستغناء عن عمالها ودفعها إلى إحداث مواطن شغل إضافية. ٭ تطوير مناهج جديدة للعمل ومهن تستجيب لتطلعات طالبي الشغل ومؤهلاتهم سواء كانت متوسطة أو مرتفعة وفي جل مناطق الجمهورية. ٭ متابعة باعثي المشاريع حتى يتسنّى لهم تجسيم أفكارهم ومبادراتهم في أسرع وقت ممكن والدخول في طور النشاط وإحداث مواطن جديدة للشغل وتفادي أن يتكرر مثال الشاب عماد الذي اضطرّ إلى التخلّي عن مشروعه نظرا لعدم قدرته على توفير التمويل الذاتي. وإنّ كلّ الخبراء الاقتصاديين يقرّون أنّه لا يمكن معالجة البطالة دون إرساء قواعد سليمة للتنمية الاقتصادية. فلا يجب اللجوء إلى إحداث مواطن شغل وهمية في القطاع العام تحت وطأة الحالات المتأكّدة أو المطلبية المفرطة، فهذا الاختيار هو غير مسؤول نظرا لأنّنا سنحمّل تونس وضعية دقيقة وحرجة جدا في المستقبل. ويقرّ علماء الاقتصاد على أنه يلزمنا على الأقل سنتين كي تستعيد التنمية نسقها الطبيعي، على أنّنا سنعمل على اختصار هذه الآجال وجلب الاستثمارات وإرجاع الثقة للمستثمر التونسي. إذن، فالمطالب الملحّة اليوم هي الإسراع في تحرير المبادرة الاقتصادية وخلق مناخ يسمح باستقطاب المستثمرين التونسيين والأجانب وتشجيعهم على الانتصاب في تونس وخاصّة في المناطق الداخلية المهمّشة لضمان المزيد من فرص التشغيل لحاملي شهائد التعليم العالي وغيرهم من الشباب المعطّل. ورغم ما سبق ذكره، فإن الدّولة ستتحمّل نصيبا في هذا التوجّه الجديد، فزيادة التعهّد بانتداب 14 ألف شاب وشابة في القطاع العمومي، فإنّنا سننطلق في إنجاز عديد المشاريع القادرة على إحداث عديد مواطن شغل مثل مشاريع الأشغال العمومية والإسراع في الاستثمارات العمومية الكبرى. كما انطلقنا بالتوازي في مشاريع أخرى مثل مشروع رقمنة الرصيد الوثائقي بالتنسيق مع وزارة الثقافة وكتابة الدولة لتكنولوجيات الاتصال والذي سيمكّن من إحداث الآلاف من مواطن العمل في ميدان له قيمة مضافة عالية ومحتوى معرفي رفيع وإحداث العديد من المؤسسات الصغرى والمتوسّطة. الثقة للقطع مع الماضي يجب علينا ألّا نبقى سجناء الأوهام السابقة التي تجمع بين حتمية الواقع والوعود الزائفة لدولة تتدخّل في جميع المجالات، ووعد النظام السابق بإحداث مئات الآلاف من مواطن العمل في فترة زمنية قصيرة، ولم يسبق لنا أن رأينا حكومة قادرة على إحداث 300 ألف موطن عمل عبر جرّة قلم أو عبر إعلان تلفزي. ولقد سبق أن ذكرت لكم أن الحرية منهج ينبع من عقل وقلب وتصرّفات كل واحد منّا، ونفس الأمر ينطبق على الثقة. لقد تحملنا كثيرا وطأة الخوف والشك وما يولدانه من انقسام ومواجهات بين الجهات وبين حاملي الشهائد العليا وغيرهم من الفئات وبين العاملين في القطاع العام والقطاع الخاص. إنّ اعتماد مبدإ «فرّق تسّد» لتقويض المبادرات لا يهدف إلا لتكريس حكم الأقلية، ويجب علينا أن نتخلّص من هذه العقلية لكي نتمكّن من المضي إلى الأمام وحتى نقطع مع ممارسات النظام البائد. والمسؤولية اليوم مشتركة بين طالب الشغل نفسه وكافة مكوّنات المجتمع من مجتمع مدني ومنظّمات وأحزاب سياسية وشباب، خاصّة وقد أثبت الشباب طالب الشغل إرادة قوية وعزما كبيرا يوحي بأنّ لديه رغبة في أن يتحوّل من طالب شغل إلى صاحب كفاءات يصرّ على إبرازها من أجل مشروعه المهني والمجتمعي علاوة على مساهمته في تنمية الثروة الوطنية. إنّ وعي طالب الشغل وتفهّمه دقّة المرحلة، مكّن من التأسيس لعقلية جديدة تقطع مع منهجية المساعدات الاجتماعية والمطلوب في هذه المرحلة هو استنهاض المجهود الشخصي للبحث الجدّي والسعي المستمرّ عن شغل قارّ أو عمل مستقل بمساعدة وإحاطة من مكاتب التشغيل والعمل المستقلّ. وفي كلّ هذا، فإنّ الثقة هي محرّك العملية الاقتصادية ولا يجب أن يكون ذلك بالحلم صعب المنال. ولا يتسنّى للمؤسسات أن تستثمر وتقوم بتطوير مشاريعها إلا بعد أن تسترجع ثقتها في تونس. فلا يمكن إحداث مواطن عمل قارة إذا لم تتوفّر الثقة في المستقبل، ولا يمكن لأحد أن يطوّر معارفه وتكوينه ويستثمر بصفة فردية أو جماعية إذا لم تكن له ثقة في المستقبل. ويبقى دائما التشغيل مسؤولية الجميع.